بعد التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين دولة الاحتلال ولبنان، وما قيل عن الكثير من المآخذ والتحفظات لديهما بشأنه، لكن من الواضح أن الضغوط الأمريكية لعبت الدور الأساسي في إبرام الاتفاق، وتوقيعه نهاية الأسبوع الماضي.
ليس سرّا أن رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد وفريقه بذلوا جهودا مضنية لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بأفضلية الاتفاق، حتى أنهم وصفوه بالاتفاق "التاريخي"، وصولا لتجنيد رؤساء الأجهزة الأمنية للإشادة به، لكن مرور الأيام الأخيرة كشف عما يمكن عدّه جملة من الإشكالات التي أحاطت بالاتفاق على الصعيدين: الإسرائيلي واللبناني، لكونه سيترك تبعات بعيدة المدى، ولا سيما من الناحية الأمنية عليهما، ولعل ذلك ما دفع لابيد للقفز عن بعض الجوانب القانونية التي تلزم لإقرار الاتفاق، سواء مصادقة الكنيست أو إجراء استفتاء عام.
صحيح أن الاتفاق بين بيروت و(تل أبيب) تم بوساطة طرف ثالث، وهو الولايات المتحدة، ولم يكن هناك اتصال مباشر بينهما، لكن من الواضح أن أي نزاع مستقبلي في هذه المسألة بالذات، أقصد الحدود البحرية، ثم استخراج الغاز، سيتم الحديث بشأنها في محادثات الطرفين مع الوسيط، دون أن يمنع ذلك التقاءهما مباشرة، ولو على صعيد الخبراء الفنيين، ما قد يزيل مع مرور الوقت حالة العداء، وإن كانت تدريجية، أو على الأقل سُمعت أصوات رافضة لذلك في بيروت.
رغم أننا أمام اتفاق لترسيم حدود تصفها دولة الاحتلال بأنها "سيادية"، لكن كان غريبا ألا يمر الاتفاق بمصادقة الكنيست، أو التصويت عليه، ما دفع خصوم لابيد لاتهامه بتجاهل قانون الاستفتاء الأساسي الذي ينص على أن أي اتفاق سياسي يتضمن "التنازل" عن مناطق يجب أن تتم الموافقة عليه بأغلبية ثمانين عضوًا في الكنيست، أو في استفتاء عام.
هذا يعني عدم الاكتفاء بالموافقة على مثل هذا الاتفاق في الحكومة وحدها، خاصة أن الحديث يدور عن حكومة تسيير أعمال، وقبل أيام قليلة فقط على الذهاب لصناديق الاقتراع، ما قد يفسح المجال أمام المعارضة الحالية، في حال وصلت إلى الحكم، أن تعيد إخضاعه لهذه الجوانب الدستورية.
رغم توقيع الاتفاق رسميا، فإن الخلاف ما زال قائما بين الجانبين بشأن من استطاع أن يوفر الحماية الأكبر لمصالحه الأمنية والاقتصادية، صحيح أن كل طرف من مصلحته أن يعلن ذلك في أوساطه الداخلية لزوم الرد على المزايدات الناشبة من جهة المعارضة، خاصة في الحالة الإسرائيلية عشية الانتخابات، لكن من الواضح أن الطرفين تحسّبا لإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية لا يريدانها، ما دفعها لإبرام الاتفاق، ولسان حالهما يقول: كان في الإمكان أفضل مما كان!