يُسلّط الاحتلال الإسرائيلي مجهر التهويد على سوق "القطانين" في البلدة القديمة، نظرًا لموقعه الإستراتيجي الملاصق للمسجد الأقصى، عبر سعيه لتحويله إلى كنيس يهودي.
ببناء فريد لا يشبهه سوى بعض أسواق دمشق، تزينه زخارف مملوكية تنبعث منها رائحة التاريخ والحضارة الإسلامية، يكتسب سوق "القطانين" الملاصق للمسجد الأقصى أهمية جغرافية وتاريخية، فكل شيءٍ فيه يؤشر لطبيعة الحياة العربية والإسلامية، يسعى الاحتلال لشطبها واستبدالها بنقوش توراتية في مساعٍ خطيرة لتهويد السوق، ما يمكنه من التحكم بالبلدة القديمة.
وتتصاعد وتيرة هجمة الاحتلال ومستوطنيه على السوق، خاصة خلال "الأعياد اليهودية" التي بدأت بما يسمى "عيد رأس السنة العبرية" مرورا بـ"عيد الغفران" و"عيد العُرش"، إذ يجبر الاحتلال التجار الفلسطينيين على إغلاق محالهم التجارية، ويُحوّله المستوطنون إلى ساحة لأداء طقوسهم التلمودية والرقص والغناء، في مقدمة لتحويله إلى كنيس يهودي تدريجيًّا.
وأمام ما يتعرض له السوق، يحذر باحثون ومحللون مقدسيون، تحدثوا لصحيفة "فلسطين"، من تحويله إلى كنيس يهودي بمخطط تقوده جماعات استيطانية، بعدما قاموا خلال الأيام الماضية بوضع طاولات وكراس وكتب تلمودية فيه، وأدوا طقوسًا تلمودية لساعات في سابع أيام ما يسمى بـ"عيد العُرش".
استهداف متكرر
وسوق القطانين مكان مغلق ومسقوف، وهو قصير نسبيًّا إذا ما قورن بالأسواق الأخرى، ويمكن إغلاقه من كلا البابين سواء المطل على الأقصى أو المطل على البلدة القديمة، بالتالي يمكن تحويله لمكان مغلق مستقل، لذلك يحاول الاحتلال تحويله إلى كنيس يهودي، وفق رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي.
وقال الهدمي إنّ تجار السوق يعتمدون في تجارتهم على زوار المسجد بعد الصلاة، لكنّ الاحتلال استطاع استهدافه عدة مرات، ورأينا كيف يستهدفه المستوطنون في مسيراتهم التهويدية الشهرية حينما يتجمعون بالقرب من باب السوق المطل على الأقصى، ويؤدون طقوسًا تلمودية على بعد عشرات الأمتار من قبة الصخرة التي يعتبرونها "الهيكل المزعوم" و"قدس الأقداس".
لم يستطع الاحتلال السيطرة على أي من المحال التجارية في السوق رغم استهدافه المتواصل وملاحقة التجار، لكن الهدمي يحذر من خطورة استيلائه عليه في أي لحظة، وتداعيات ذلك على المسجد المبارك.
تطهير عرقي
استيلاء الاحتلال على سوق القطانين، وفق الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، يجعله متحكمًا بالبلدة القديمة ويراقب كل شيء بالمسجد الأقصى، وخاصة الحي الإسلامي، ويزيد من عدد البؤر الاستيطانية، معتبرًا تلك المساعي سياسة تطهير عرقي وتفريغًا للبلدة القديمة لصالح المشاريع الإسرائيلية.
وقال عبيدات: "نحن أمام تطورات متسارعة يحاول فيها الاحتلال الاستيلاء على الأملاك المسيحية والإسلامية في البلدة القديمة لتفريغها من سكانها الفلسطينيين، وسوق القطانين سوق عريق وتاريخي عربي إسلامي يحاول الاحتلال إلغاء طابعه بتغيير نقوشه الإسلامية إلى توراتية مزيفة لتهويده".
ويضم السوق مجموعة من المحال والمطاعم وفيه نحو 200 تاجر، انخفضت أعدادهم في السنوات الأخيرة في إثر سياسة الاستهداف المتعمدة التي يريد الاحتلال من خلالها التقدم خطوة على صعيد الاستيلاء على بقية الأسواق بالبلدة القديمة، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال أنشأ 75 بؤرة استيطانية في البلدة القديمة البالغة مساحتها كيلو مترًا مربعًا ويسكنها نحو 37 ألف مقدسي.
ورغم محاولة الاحتلال وضع قدم في باب "القطانين" إلا أنّ الكاتب والمحلل السياسي المقدسي محمد جاد الله يرى أنّ مدينة القدس عصية على التهويد، خاصةً أنّ الاحتلال جرب المقدسيين في محطات مختلفة، وبذلوا تضحيات بكل ما يملكون لإحباط مخططاته.
وقال جاد الله: كل شيء في القدس له أهمية تاريخية تمتد عبر آلاف السنين، وأهمية السوق لا تختلف عن أهمية أبواب المسجد الأقصى، محذرًا من خطورة المحاولة، لكونها تُمكّن الاحتلال من وضع قدم له داخل البلدة القديمة، خاصةً أنّ باب السوق يفتح ويطل مباشرة على قبة الصخرة ولا يبعد عنها سوى عشرات الأمتار، ما يستوجب مواجهتها ومنعها بكل الطرق مهما بلغت التضحيات.
بتغيير أسماء الشوارع والاعتداء على تراث المدينة المعماري يمضي الاحتلال بتهويده، لكنّ جاد الله يؤكد أنّ هذه السياسة لن تغير من واقع الحال شيئًا أمام صمود الفلسطينيين أصحاب الأرض والهوية.