بعد أقل من سنة على استشهاد أبي عمار، نجحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الالتفاف على انتفاضة الأقصى، وقد مثل تاريخ 8 شباط/ فبراير 2005، بداية النهاية للانتفاضة، ففي ذلك اليوم المشؤوم اجتمع محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون، في قمة شرم الشيخ، واتفق الطرفان على الهدنة، وإنهاء انتفاضة الأقصى، مع مواصلة التنسيق والتعاون الأمني، ليمثل ذلك اللقاء الضربة السياسية القاضية لانتفاضة الأقصى.
الاتفاق بين شارون وعباس على تصفية انتفاضة الأقصى ترافق مع خطوات ميدانية، منها:
أولًا: عقد مؤتمر الحوار الفلسطيني بتاريخ 17 مارس/ آذار من سنة 2005، المؤتمر الذي أعلن التزام تهدئةٍ حتى نهاية سنة 2005، في مقابل وقف (إسرائيل) "كل أشكال عدوانها" وإطلاق الأسرى والمعتقلين، مع إجراء الانتخابات التشريعية، وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها، بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية، ولهذه المهمة تم تشكيل لجنة من رئيس المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة، ومن الأمناء العامين لجميع الفصائل وشخصيات وطنية مستقلة.
ثانيًا: تقوية السلطة الفلسطينية، وتزويدها بالأسلحة والمال الذي يساعدها على بسط نفوذها على بؤر الاحتكاك في الضفة الغربية وغزة، كخطوة أولى على طريق التدجين، واحتواء المقاومين، من خلال تفريغ قياداتهم على كوادر الأجهزة الأمنية، وتصفية الرافضين، أولئك الذين أصروا على مواصلة مسار المقاومة، إذ بلغ عدد شهداء الضفة الغربية منذ لقاء شارون عباس مطلع 2005 وحتى نهاية السنة، أكثر من 160 شهيدًا، وفق تقرير وكالة وفا.
في مقالي هذا لن أخوض في تفاصيل الأحداث المأسوية التي أعقبت لقاء عباس شارون، وكيف انحدرت القضية الفلسطينية من علياء الانتفاضة إلى حضيض اللقاءات العبثة والتعاون الأمني، ولن أدخل في تفاصيل ضياع أرض الضفة الغربية بين مستوطنة وطرق التفافية، ومواقع تدريب عسكرية، وحواجز عبأت الطرقات، ولن أتحدث عن التمزق الوجداني، وتجاهل القضية الفلسطينية، وطمس معالم معاناة الشعب الفلسطيني داخليًا وخارجيًا.
في مقالي هذا سأحذر مجموعة عرين الأسود في نابلس وجنين ورام الله وبقية المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، أحذركم من تكرار الخطأ، والانجرار خلف المؤامرة، التي تستهدف تطويق غضبتكم، ومحاصرة فعلكم المقاوم، فعلكم الذي أرعب عدوكم، فحرك أعوانه للضغط عليكم، والعودة بكم إلى حظيرة التنسيق والتعاون الأمني، وذلك من خلال تدجين كتائب عرين الأسود، إنهم يقدمون لكم الإغراءات المادية والوظيفية، وهم على استعداد لشراء سلاحكم بملايين الدولارات، فشراء بندقية المقاومة بالنسبة للصهاينة تعني شراء فلسطين كلها، والسلطة على استعداد للدفع من جيب الصهاينة، وهم على استعداد لتقديم الرتب العسكرية المغرية لكل مقاوم، مقابل انضوائه في حظيرة التنسيق والتعاون الأمني.
في مقالي هذا لا أدعى بأنني أكثر حرصًا منكم على الوطن، ولا أكثر عشقًا منكم لفلسطين، ولكنني أحذركم من المندسين، الذين يلبسون ثياب الوطنية، ويحاولون التأثير عليكم، وهم يزينون لكم الانضواء في صفوف الأجهزة الأمنية، ويرعبون بعضكم من نتائج عملكم المقاوم، مع ربط كل ذلك بأكذوبة المشروع الوطني.
في مقالي هذا أذكركم بزميلكم الأسير مصعب اشتية، الذي عشق البندقية، فالتفت عليه يد الغدر، وأذكركم بزميلكم البطل إبراهيم النابلسي، الذي أوصاكم في وداعه الأخير بالبندقية، وقال لكم: حافظوا على بندقية المقاومة، دون البندقية فلا قيمة لكم، ولا وطن لكم.