فلسطين أون لاين

تقرير التمويل المشروط وأوراق ضغط أخرى في معركة المناهج بالقدس

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

على جبهات متعددة، تخوض سلطات الاحتلال الإسرائيلي حربًا ضروسًا على الشعب الفلسطيني، يشكل التعليم ببعده الثقافي والتوعوي في مدينة القدس المحتلة إحداها، وتنتهج في سبيل ذلك العديد من الأساليب لشق الهوية الفلسطينية على ذاتها.

وإذ تعد عملية أسرلة التعليم مخالفة واضحة لكل القواعد الدولية التي تمنع تدخل الاحتلال في تعليم وثقافة الشعب المحتل، تسير إجراءات الاحتلال في ملف القدس التعليمي على النقيض من تلك النصوص القانونية، في ظل قصور واضح للسلطة الفلسطينية في التصدي لتلك المخططات.

أوراق ضغط

الإغراءات بالمال تعد وسيلة الضغط الأولى التي تمارسها سلطات الاحتلال، وفقاً لمسؤول العلاقات العامة في اتحاد أولياء الأمور بالقدس ماهر أبو سعد، إذ تقدم وزارة "المعارف الإسرائيلية" وبلدية الاحتلال في القدس، للمدارس الفلسطينية عروضًا بميزانيات ضخمة وبنية تحتية حديثة في حال قبلت بتدريس المناهج الإسرائيلية.

كما تتلاعب "المعارف" بميزانيات المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني، وتستخدمها ورقة ضغط، فيقع مديرو مدارس شرقي القدس عامة، ومعظمهم موظفون تابعون للمعارف، بين خياري تطبيق السياسات التعليمية الإسرائيلية أو الحرمان من الميزانيات".

ويلفت أبو سعد، إلى توظيف الاحتلال شبكات التواصل الاجتماعي دعائيًا بشكل عميق ومكثف، لتشجيع الطلبة الفلسطينيين على الالتحاق بالمدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي، اعتمادًا على البعد البصري بما توفره تلك المدارس من وسائل ترفيه وبيئة صفية مريحة للطالب.

وما يزيد سوء الوضع الغياب التام لدور السلطة الفلسطينية، ولا سيما بعد إغلاق سلطات الاحتلال في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، مكتب مديرية تربية وتعليم القدس التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية بزعم "التحريض"، ما قلص عمل الوزارة بشكل كبير في المدينة المحتلة.

ويضيف: "الوزارة الفلسطينية شبه عاجزة عن إدارة العملية التعليمية عن بعد، ولا تقدم شيئاً يذكر من الدعم المالي لتلك المدارس، ما يجعلها عاجزة عن تطوير المباني، باختصار السلطة غير موجودة على الأرض في القدس".

وينبه أبو سعد إلى أن السلطة تكتفي حالياً بالحديث مع السياسيين عن موضوع التعليم في القدس، "وهذا أمرٌ غير مجدٍ فهي تتواصل بشكل أساسي مع الاتحاد الأوروبي الذي يهدد في الوقت ذاته بوقف تمويل الكتاب المدرسي الفلسطيني ما لم يتم تغيير المنهاج الذي يعده محرضاً ضد (إسرائيل) فكيف سيساعدنا في إنقاذ التعليم في القدس؟".

سحب التراخيص

يذكر أن لجنة مراجعة الميزانية في البرلمان الأوروبي تبنت في أبريل/ نيسان 2021، موقف دولة المجر، واشترطت في حينه تحويل المساعدات للسلطة الفلسطينية البالغة 214 مليون يورو، بتغيير مناهج التعليم الفلسطينية، بزعم أنها "تتضمن مواد تحريضية ضد (إسرائيل) ومحتوى ومضامين لاسامية".

ويقول أبو سعد إن الضغوط تشمل إغلاق المدارس التي ترفض تدريس المنهاج الإسرائيلي، وعدم تجديد الترخيص لها، كما جرى مؤخرًا مع مدرسة الكلية الإبراهيمية العريقة التي أُسست في عام 1931م، حيث هددت سلطات الاحتلال بإغلاقها، وخمس مدارس أخرى من سلسلة مدارس الإيمان (1984)، بزعم ممارسة أنشطة تعليمية "تحريضية".

ويبين أبو سعد أن الهجمة الإسرائيلية على مدارس القدس ازدادت خلال العقد الأخير، خاصة بعد إقرار الاحتلال الخطة الخمسية لتعميم المنهاج الإسرائيلي على جميع مدارس القدس، حيث وضع "الكنيست" حدا زمنيا أقصاه 2025 لتحقيق هذا الهدف.

ويلفت أبو سعد إلى أن الضغط الإسرائيلي على المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني تضاعف في العامين الأخيرين عبر التمويل المشروط، فلا مال دون تنفيذ السياسات الإسرائيلية، "كما أن المغريات كثيرة في المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي فالتعليم مجاني وهناك وجبات طعام ودروس تقوية مجانية وبرنامج ترفيهية ورياضية لكل طفل ممول من المعارف".

تشريعات وإحلال مصطلحات

إزاء ذلك يبين الباحث في جمعية الدراسات العربية أن هناك حربا شاملة على الوعي الفلسطيني في القدس المحتلة منذ إكمال احتلالها عام 1967م، ولم تتوقف محاولات "أسرلة" المناهج حتى بعد إقرار المنهاج الفلسطيني، وتصاعدت حملتها ضد التعليم الفلسطيني في عام 2011 عبر سياسة "التمويل المشروط" والتهديد بسحب التراخيص والتدخل في سياسة التعليم في المدارس.

وفي مقابل التضييق على المدارس التي تدرس المناهج الفلسطينية – وفق الجعبري- عملت سلطات الاحتلال على تهميش وإهمال المناهج العربية والفلسطينية بين عامي 1968-2000.

وسرد الجعبري بعضًا من أوجه التغيير القسري الذي طال العملية التربوية، تمثلت بإلغاء القوانين العربية وسن تشريعات جديدة والاستيلاء على جميع الأبنية والمدارس التابعة للأردن وتغيير أسماء المدارس، وإضافة مصطلح الرسمية إليها وإغلاق مكتب تربية وتعليم القدس واعتقال مديره وموظفيه وتطبيق المنهاج الإسرائيلي وتعيين إداريين وتربويين غير مؤهلين.

ورصدت مديرية تربية وتعليم القدس في تقرير لها عمليات التحريف والتغيير، لقيام الاحتلال بحذف شعار فلسطين عن المقررات وحذف كلمة الشهيد ومصطلح الصهيونية حركة عنصرية وشطب محاولات حرق الأقصى ومذبحة دير ياسين من كتب التاريخ، وكذلك تاريخ المقاومة الفلسطينية والانتفاضة وخريطة القدس وفلسطين، وشطب كل ما يتعلق بالجهاد من آيات ومدلولات وأحاديث، وشطب العلم الفلسطيني".

ويلفت الجعبري إلى أن السلطة الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم التابعة لها، لا تقدم للمدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني أي حوافز أو دعم مالي ولا تساعدها في توفير بيئة تعليمية جذابة وترميم الأبنية.

وقال: "يجب توفير عوامل الصمود للتعليم المقدسي، ففي حين أن المعلم يمكنه الحصول على راتب من مدرسة إسرائيلية على 9000 شيقل، فإنه في مدرسة فلسطينية يحصل على 3000 شيقل، فكيف يمكنه الصمود؟!".

ورأى أن عدم وجود السلطة على الأرض في القدس لا يعطيها الذريعة لعدم دعم التعليم فيها، "فيمكنها تفعيل أذرع لها، كلجان أولياء الأمور واللجان المحلية والمدارس بشكل مباشر، للتصدي للهجمة على المنهاج.