عشرات المدارس في كافة قطاعات التعليم الوطني والأهلي والخاص، وحتى المدارس التابعة لبلدية ووزارة تعليم الاحتلال الإسرائيلي في القدس، أضربت عن التعليم بمبادرة من أهالي الطلاب، احتجاجا على تحريف منهاج التعليم الوطني الفلسطيني، أو استبداله بالمنهاج الإسرائيلي في مدارس أخرى.
يأتي هذا الإضراب في سياق مشروع التهويد التاريخي الذي يداوم عليه الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس، ومحاصرة المقدسيين بما في ذلك السعي نحو أسرلة مناهج التعليم في مدارس المدينة العربية، على اختلاف مشاربها. وقبل ذلك، سعت بلدية الاحتلال بالتعاون مع وزارة التعليم الإسرائيلية إلى إغلاق مدارس مقدسية وطنية داخل سور البلدة القديمة، ضمن مسعى إحلاليّ - استيطانيّ، لتفريغ البلدة القديمة من أهلها المقدسيين العرب لصالح تهويدها. وذلك في اعتقادٍ لدى الاحتلال مفاده "أن إغلاق مدرسة في البلدة القديمة، يدفع أهالي طلابها للبحث عن مدرسة خارج السور، مما يدفع الأهل لترك البلدة القديمة واللحاق بأبنائهم، حيث مدارسهم في الأحياء المقدسية الخارجية، والقرى العربية المحيطة بمدينة القدس".
في الشهور الأخيرة، قامت بلدية الاحتلال، ومعها وزارة التعليم، بسحب تراخيص التشغيل من ست مدارس مقدسية وطنية أهلية، هي مدرسة "الكلية الإبراهيمية" ومعها خمس مدارس من مدارس "الإيمان" في بيت حنينا، تحت طائل تضمُّن منهاج التعليم الوطني الفلسطيني مواد "محرِّضة" على الاحتلال الإسرائيلي وقوات أمنه وجيشه، وقد أعادت وزارة التعليم الإسرائيلية للمدارس الست رخص تشغيل مؤقتة لعام واحد، شريطة التخلّي عن المنهاج الوطني الفلسطيني، واستبداله بمواد وكتب يشتمل عليها المنهاج الإسرائيلي.
على إثر ذلك، وبعد ترك طلاب وطالبات مدارس الإيمان والكلية الإبراهيمية بلا كتب مدرسية، وسحب كتب منهاجهم الوطني، في انتظار أن تستبدلها الوزارة بكتب المنهاج الإسرائيلي والتي يرفضها أهالي الطلاب، بادرت مجموعة من أهالي طلاب وطالبات هذه المدارس، وتحديدا الأمهات، قبل أسبوعين، إلى تنظيم وقفة إسناد صباحية لأبنائها وبناتها على أبواب مدارس الإيمان والكلية الإبراهيمية؛ رفضا لإملاءات وزارة تعليم الاحتلال، وقامت الأمهات بتوزيع كتب منهاج التعليم الوطني الفلسطيني، وتحديدا تلك التي تتضمن مواد رافضة للاحتلال ووجوده، على طلاب وطالبات المدارس عند أبوابها، إلى حدّ أن قام بعض من الأهالي وبادر للذهاب إلى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وجلَب كتب المنهاج الوطني منها، بعد أن مُنع دخولها إلى القدس.
جاءت مبادرة أهالي الطلاب، بعد صمت كل الجهات الرسمية المحلية وكذلك الدولية، وتحرُّج كثيرين من مديري المدارس المُهددة ومعلميها ومعلماتها، الذين تبتزّهم وزارة التعليم الإسرائيلية بوظائفهم ومصادر عيشهم، ممّا دفع بعض الأهالي المقدسيين، إلى أخذ الموضوع على عاتقهم لحماية أولادهم وبناتهم من محاولة أسرلة مناهج تعليمهم.
كما بادر بعض أهالي طلاب وطالبات مدارس الإيمان المقدسية يوم السبت الماضي، إلى وقفة أمام أبواب المدارس، تعبيرا عن رفضهم لتحريف منهاج تعليم أبنائهم وبناتهم الوطني، أو محاولة استبداله بالمنهاج الإسرائيلي. وبعد الوقفة، دخل الأهالي إلى مبنى إدارة مدرسة الإيمان حيث الإدارة في مكتبها، وطالبوا بتشكيل "مجلس أولياء أمور طلاب" يخصّ مدارس الإيمان، ووافقت إدارة مدارس الإيمان على ذلك، بعد أن كانت مدارس الإيمان مثل عموم المدارس الأهلية في السابق، ترفض إقامة مجالس أولياء أمور طلاب في مدارسها.
هذه الفئة المبادِرة والمناضلة من أهالي الطلاب والطالبات، هي التي بادرت إلى إعلان الإضراب احتجاجا على سياسات الاحتلال التعليمية، وتحريفها للمنهاج التعليمي في القدس عموما، وليس فقط في المدارس التي سُحبت منها تراخيص تشغيلها، وذلك بدعم من "اللجنة العامة لأولياء أمور الطلاب في القدس"، وهي الجهة التي لعبت دورا في السنوات الأخيرة بالتفاوض مع بلدية الاحتلال من أجل حماية المنهاج الوطني من سياسات أسرلته.
استجاب للإضراب أهالي طلاب وطالبات عشرات المدارس المقدسية التي أغلقت أبوابها، كما أضرب طلاب وطالبات المدارس المقدسية التابعة لوزارة تعليم الاحتلال. وحتى المدارس الأهلية التي احترمت قرار الأهل بالإضراب، لكنها أصرّت على دوام الطلاب وحضورهم كالمعتاد مثل مدرسة "الوردية" في بيت حنينا. قام بعض أهالي الطلاب المقدسيين بالتوجه لأبواب المدرسة فجر أمس وإغلاقها بالأقفال وسلاسل الحديد بأنفسهم، رفضا منهم لتقاعُس إدارة مدرسة الوردية في مساندة الإضراب.
نجح إضراب أهالي طلاب وطالبات مدارس القدس إلى حد تغيب فيه عن الدوام المدرسي ما يقارب 70% من طلاب مدارس المدينة العرب. وذلك على الرغم من كل محاولات بلدية الاحتلال الحثيثة لإفشال الإضراب. كما دعمت القوى الوطنية والإسلامية المقدسية في المدينة الإضراب، في تعاضد مجتمعي أهلي، يمكِّن من صمود المقدسيين وثباتهم في معركة النضال على منهاج تعليم أبنائهم وبنهاتهم الوطني ضد تحريفه وأسرلته.
إن معركة نضال المقدسيين على منهاج مدارس أولادهم وبناتهم التعليمي، ستكون طويلة وتحتاج إلى صبر وتنظيم ونفَس طويل لمواجهة سياسات الاحتلال وأدوات ضغطه، غير أنّ الذي تحقَّق في خطوة إضراب امس ونجاحه، أمران، الأول: هو أخذ أهالي الطلاب المقدسيين زمام المبادرة لحماية وعي أبنائهم وبناتهم من محاولة تشويهه عبر أداة أسرلة مناهج التعليم، فمصير تعليم طلاب وطالبات القدس بات بأيدي أهاليهم أولا وأخيرا.
والثاني: أهمية اللحظة الزمنية التي يشكلها الإضراب في وعي الطلاب والطالبات المقدسيين رغم صغرهم، لناحية علاقتهم بمنهاج تعليمهم ومدارسهم، وعلاقة ذلك بقضية مدينتهم وشعبهم عموما في مواجهة الاحتلال والتهويد.