يومًا بعد يوم تأخذ الأراضي الفلسطينية، ولا سيما في الضفة الغربية، تزداد توترًا، أو وفق التعريف الإسرائيلي "في طريقها إلى الاشتعال"، في ضوء تصاعد العمليات الفدائية بصورة شبه يومية، وتواصل الاقتحامات العسكرية لجيش الاحتلال لمناطق شمال الضفة الغربية بصورة خاصة.
بالتزامن مع كل هذه التطورات، لا تخفي المحافل العسكرية المحيطة بجيش الاحتلال أنه يواجه صعوبات قاسية وجدية في وقف هذه الموجة من الهجمات، وبتعبير أكثر موضوعية وواقعية فإنه "فشل في مهمته استعادة الأمن الإسرائيلي المفقود"، وبات غير قادر على هزيمة الفلسطينيين، لأسباب كثيرة، لعل من بينها إمعانه أن ذلك سيتم فقط بالطرق العسكرية والعملياتية فقط دون سواها، وهو حل جرّبه الاحتلال في الانتفاضتين، وفشل فشلا ذريعا.
ربطاً بما سبق، يكتفي المحققون الإسرائيليون حين يلقون القبض على فتى فلسطيني يحمل سكينا، ويهمّ بطعن جندي أو مستوطن، باستجوابه حول الأسئلة التقليدية الميدانية، مع أن هناك أسئلة أخرى قد لا يجدها المحقق الإسرائيلي من صلب تخصصه، ومنها: من أرسله لمهاجمة الجندي؟ وهل تعلم عائلته بذلك؟ وهل هناك أحد من أقاربه منخرط في منظمات فلسطينية مسلحة، أم أنها مبادرة مستقلّة له، نتيجة كل ما يسمعه ويراه ويدركه في بيئته المحيطة به؟ وهي أسئلة قد يكون مناطها المستوى السياسي الإسرائيلي وليس الأمني فقط.
في الوقت ذاته، يجتهد الإسرائيليون في ابتكار توصيفات لما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة، بين كونها: هجمات، عمليات، ذئابًا منفردة، "إرهابًا"، عنفًا واضطرابات، وهكذا يتناوب المراسلون الميدانيون الإسرائيليون، والمحللون في الاستوديوهات التلفزيونية وعلى صفحات الصحف، على إطلاق هذه المسميات، وهم بذلك يهربون من التوصيف الحقيقي لما يحدث بأنه تهيئة لهبّة شعبية فلسطينية، تتسع وتضيق، حسب الظروف الميدانية القائمة، بغض النظر عن كونها انتفاضة أو موجة أو جولة من جولات الصراع مع الاحتلال.
تتزامن هذه الهجمات الفدائية الفلسطينية مع التحضيرات الإسرائيلية للجولة الانتخابية الخامسة في نوفمبر، ورغم أن المنافسة حامية الوطيس بين المرشحين، لكن يبدو لافتًا أن القضية الفلسطينية ليست على الأجندة المتقدمة للأحزاب الأساسية، وكأنه لا يوجد حزب أو زعيم إسرائيلي يقدم لجمهور الناخبين مسارًا واضحًا لمستقبل الصراع مع الفلسطينيين.
هو ذات المنطق الإسرائيلي القديم الجديد، الذي ينتظر انقضاء هذه الموجة "العابرة" تحضيرًا لموجة قادمة، وبينهما يشعر الإسرائيليون بهدوء نسبي مضلّل، رغم أن الضفة الغربية بالذات تشهد كل ليلة قتالا واشتباكات وهجمات واستخبارات، وقد تحول جيش الاحتلال الى حالة من الاستنفار الكامل لمواجهة مسلح هنا ومطلوب هناك، ورغم أن هذا الجيش مصمم على الحفاظ على أمن دولة الاحتلال في مواجهة طائرات معادية وصواريخ باليستية، لكنه يخفق أمام مجموعة من المسلحين الذين يتربصون بجنوده ومستوطنيه في طرقات الضفة الغربية وشوارعها المتخمة بالجنود.