فلسطين أون لاين

كيان الاحتلال إذ ينسف مزاعم التقارب والتطبيع

بينما تنهمك الحكومات العربية بحصار بعضها ومحاربة أنظمتها لبعض على النواحي السياسية والإعلامية، تاركة مصير المسجد الأقصى والقدس بين يدي واحدة من أكثر الحكومات الإسرائيلية عنصرية وشراسة في تاريخ كيان الاحتلال؛ يعتزم الأخير تحديث منظومته العسكرية وعقيدة مرتزقته القتالية لتحويله إلى واحد من "أقوى" جيوش العالم، ناسفًا بذلك مزاعم سعيه إلى التطبيع مع بعض الأنظمة العربية واستقطابه لها.


نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) التعديلات الأخيرة على خطة "جدعون" العسكرية التي وُضعت في عام 2015م، بإشراف مباشر من رئيس الأركان الإسرائيلي غادي آيزنكوت، للوصول إلى "جيش لا يُهزم" بحلول عام 2020م، ووفق الخطة سيقلص كيان الاحتلال أفرع الجيش ابتداءً من القوات النظامية حتى قياداته، مقابل تعزيز حجم القوات الخاصة، ليتضاعف حجم نشاطها ثلاث مرات، في حين تطور قيادتها لتشبه قيادة العمليات الخاصة في الولايات المتحدة، التي تُدرب وتدير "جيشًا مختلفًا" لا يفكر ويعمل مثل الجيش التقليدي، فالقاعدة الجديدة هي جيش محترف يعمل بالتوازي مع "جيش الشعب".


القوات الخاصة _وفق الخطة_ ستشكل أساس الجيش الإسرائيلي؛ ففي وحدة (سايريت ماتكال) الخاصة _على سبيل المثال_ سينخرط المقاتلون مدة ثلاث سنوات في الجيش ويخضعون لدورة الضباط، ومن المفترض أن يقوم هؤلاء الضباط الجدد في (ماتكال) وفق رؤية رئيس الأركان بتغذية كتائب نخبة المشاة في الجيش النظامي والاحتياطي وتحسينها.


تدريب هؤلاء الجنود سيكون مكلفًا جدًّا، غير أنهم سيصبحون أكثر مهنية ويخدمون مدة أطول، ما سيتيح توظيف عدد أقل من العسكريين، وسيخدم نصف الجنود الذين يخدمون في القوات الخاصة، لاسيما المقاتلين، في إطار عسكري أولي دائم، وسيتمكن الضباط والمقاتلون الذين لديهم مهن خاصة من مواصلة العمل في الجيش حتى سن 35، وسيعمل الضباط بعد ترقيتهم إلى رتبة مقدم حتى سن 42 عامًا، وسينطبق هذا الترتيب على الجيش الدائم بأكمله (جزء من الاتفاق مع وزارة المال)، وسيبقى سلاح (سايبر) تابعًا لأجهزة التنصت والاستخبارات، للقيام بمهمات الدفاع والهجوم والتخطيط العملياتي في مجال حروب (الإنترنت)، وسيتحول إلى قوة عملياتية تخدم بقية أسلحة الجيش: الجوية، والبرية، والبحرية.


لواء (كوماندوز) الذي يشمل فرق القتال المدرعة والمظليين _وفق الخطة_ الجديدة سيشكل رأس الحربة في الفرق القتالية، وبعدما كان تدريب هذا اللواء يقتصر على التدرب مدة نصف العام والمشاركة في النشاط التشغيلي خلال النصف الآخر؛ إن كتائب المشاة المناورة في الجيش النظامي جميعًا ستتحرك في العام المقبل إلى وضع لم يسبق له مثيل في الجيش الإسرائيلي، إذ سيصبح التدريب مستمرًا على مدار العام مدة 17 أسبوعًا، تليه مدة مماثلة من النشاط التشغيلي وما إلى ذلك.


سيحصل الجنود في الوحدات الخاصة على رواتب أعلى من الجنود العاديين بنسبة 30%، وسيستطيع الجندي الذي يكمل خدمة طويلة حتى سن 42 أن يحصل على منحة لدراسة اختصاصين أكاديميين خلال خدمته على نفقة الجيش، أما الجنود المهنيون غير القتاليين فسيكونون قادرين على إكمال دراستهم الأكاديمية على نفقة الجيش أو على حسابهم الخاص، وفي حالات خاصة سيمول الجيش السنة الأولى من دراسات الماجستير، وترمي الخطة إلى زيادة مستوى أكاديمية الجيش وإغراء الجنود الشباب _خصوصًا في الوحدات القتالية_ بالدراسات الأكاديمية.


يريد قائد أركان جيش الاحتلال آيزنكوت من وراء هذه الخطة أن تكون المستويات العليا للجيش الإسرائيلي مثالية، حتى على حساب قوات المناورة الأخرى، وقد وصل إلى هذا القرار بعد أداء القوات البرية المتوسط في حرب تموز 2006م الذي فاجأه، وقد كان رئيسًا لمديرية العمليات، وصل آيزنكوت إلى هذا المنصب حينها من قسم ما يسمى "يهودا والسامرة"، وكان يعتقد في ذلك الوقت أن النشاط الأمني الناجح في الضفة الغربية يشير إلى قدرات جيش الاحتلال القتالية.


الجيش الإسرائيلي اعترف في العامين الماضيين بأن هناك خطأ في عملية تدريب القوات البرية، ومع استثماره أكثر من 4 مليارات شيكل سنويًّا الحقيقة هي أن إدارة الوقت في التدريب غير كافية، والمرافق قديمة وغير صالحة للمجالات القتالية المتوقعة.


ولهذا السبب وضعت خطة فرعية تُسمى (أفيف)، جزء من خطة "جدعون"، التي ستصل إلى ذروتها ابتداء من عام 2020م، إذ سينشئ الجيش الإسرائيلي نظام مرافق تدريب متقدمة بالقرب من مناطق عمل قواته في مرتفعات الجولان وغور الأردن وغيرهما من المناطق، أي أن الوحدات المقاتلة ستُدرب في بيئة مماثلة لمناطق المعركة المتوقعة، وفي مرتفعات الجولان سيبني الجيش منشأة ضخمة تحاكي المدينة والعقبات الكبيرة التي يشكلها حزب الله، وستبنى ثلاثة مراكز محاكاة ضخمة، وسيوصل جهاز محاكاة الأرض بجهاز محاكاة لطياري مقاتلاتF-16 ، ويوفر التدريب مع الغطاء الجوي، أما التدريبات القديمة على إطلاق النار فسيستبدل بها نظام إطلاق إلكتروني، وستتغير طرق دراسة العدو، إذ ستنشأ 17 منشأة لدراسة ذكاء العدو بين الوحدات.


وفي محاولة للتغلب على واحدة من أخطر نقاط الضعف التي كُشفت في حرب تموز _وهي تشغيل مقر العمليات_ أنشئت مدرسة القيادة والسيطرة تحت قيادة جنرال آخر في القوات البرية، هو اللواء يوسي بشار، وهناك فرع وظيفي رابع جديد نسبيًّا، وهو "نظام الدفاع الحدودي"، الذي سيشارك في الدفاع الحدودي الكلاسيكي.


ترمي الخطة إلى جعل جيش الاحتلال أصغر سنًّا وأقل عددًا، لكنه أكثر ذكاءً، بتقليل الاعتماد على العنصر البشري، ما سيؤدي إلى تخفيض عدد القتلى في أي مواجهة عسكرية.


يبقى السؤال بعد كشف الإعلام الإسرائيلي هذه الخطة قائمًا عن مزاعم الحكومة الإسرائيلية للتقارب مع بعض الدول العربية، وتحقيق اختراق على مستوى التطبيع الذي كثر الحديث عن قرب موعد الكشف عنه لدى بعض الدول العربية، لاسيما تلك التي تريد أن تغير مستقبل العلاقة مع الاحتلال لتصبح علنية، إرضاء للبيت الأبيض وحاكمه الجديد، فأي حديث يتبقى عن هذه المزاعم في ظل حرص كيان الاحتلال على تطوير منظومته العسكرية وإستراتيجيته القتالية، ليصبح جيشًا محترفًا وأكثر تدريبًا على مواجهة المخاطر المحدقة بكيان الاحتلال؟!