فلسطين أون لاين

الدقران: ليس من السهل إعادة تدويرها في غزة

بالصور تجارة الخردة.. "ثروة كبيرة" تغادر القطاع

...
أحد الشبان العاملين في تجارة الخردة (تصوير: يحيى اليعقوبي)
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بعرباتهم يجوبون الشوارع، ينبشون في القمامة بحثًا عن علب مشروبات غازية معدنية فارغة أو قطع حديديةٍ، يتنقلون من منطقة إلى أخرى ويتسابقون في تجميع قطع الخردة على مدارِ أيام الأسبوع، في أول رحلة ومسار لتجارة الخردة داخل قطاع غزة.

الساعة الثامنة صباحًا، كان زياد (15 عامًا) يجوب شارع الجلاء بمدينة غزة، على عربة يجرها حيوان ويرافقه طفلان آخران، يبحثون على الأرصفة، وبين القمامة، وأسفل البيوت عن علب معدنية ألقاها المواطنون، تمثل لهؤلاء مصدر دخل وإن كان المبلغ زهيدًا.

جاب الفتية الصغار الشوارع قادمين من مدينة جباليا، وخلال ساعتين من العمل المتواصل استطاعوا ملء كيسي طحين فارغين بعلب المشروبات الغازية، يقول الفتى ذو الملامح الداكنة، ترتسم على قسمات وجهه آثار العمل الشاق: "أعمل يوميًّا حتى ساعات الظهيرة، وأسلِّم ما أجمعه إلى محلٍ مختص بشراء هذه العلب، بسعر 3.5 شواقل لكل كيلو، وقد أعود لعائلتي يوميًّا بنحو 20-30 شيقلًا".

df7bee77-250f-41f2-b1cc-30ee7336b5d5.jpg
 

زياد واحد من عمال يُسلّمون أكوام الخردة في محال ومخازن مقابل مبلغ زهيد، فيغادرون إلى منازلهم بقوت يومهم، ترتسم علامات الرضا على ملامحهم، لا يدركون حجم "الثروة" -كما يصفها اختصاصي اقتصادي- التي تركوها خلفهم.

3 مراحل

داخل ورشة شرق مدينة غزة، استلم أحمد عياد (25 عامًا) نحو 200 كغم من العلب المعدنية من أحد أصحاب المحال التي قام بتجمعيها من العمال المتجولين واستلم مبلغ 800 شيقل مقابل تلك الكمية التي باعها بسعر 4 شواقل لكل كيلو، وغادر المكان مبتسمًا، وبهذا تنتهي المرحلة الأولى من تجارة الخردة.

أغلق عياد صفحات دفتر يرصد حركة الشراء اليومية بعدما رحب بطاقم صحيفة "فلسطين"، يقول الشاب الذي اصطحبنا في جولة داخل الورشة عن طبيعة العمل ومراحله: "إننا نقوم بشراء العلب المعدنية، من أصحاب المحال الذين يقومون بدورهم بتخزينها وتجميعها على مدار عدة أيام، ولا نتعامل مع العمال المتجولين مباشرةً، وفي اليوم تقريبًا يصل إلينا طنان من العلب المعدنية والحديد، ونقوم بتصدير نحو 20 طنًّا في الأسبوع"، مُقدرًا مربحه في كلّ طن يصدره بنحو 150 شيقلًا.

يبلغ ثمن كيلو الغرام الواحد أربعة شواقل من العلب المعدنية، وبذلك يبلغ إجمالي الطن 4 آلاف شيقل لكونها معدنًا من الألومنيوم، في حين يبلغ سعر طن الحديد العادي 550 شيقلًا، وفق عياد.

في داخل الورشة، الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا، رغم احتماء الشاب أحمد شويخ أسفل مظلةٍ من حرارة الشمس فإنه كان يغرق في العرق الذي بلل هامته، يقوم الشاب بفرز العلب المعدنية والتأكد من خلوها من أنواع أخرى من الخردة، وتعبئتها داخل أكياس كبيرة (شوالات)، ورصّ الأكياس بجوار بعضها بعضًا.

da60196b-f4e0-4b32-86bb-94a39b503dae.jpg
 

للأمام منه  تبدأ المرحلة الثانية، يعمل  الشاب محمد السلول على آلة ضغط الحديد برفقة عاملين آخرين، أصواتُ الآلة هنا لا تتوقف في ضغط كمية من العلب وإدخال كمية أخرى.

أوقف السلول الآلة قليلًا وشرح لنا آلية العمل هنا: "نقوم باستلام الأكياس الكبيرة، وتفريغ العلب داخل الحوض، ثم يغلق الحوض ويقوم بضغطها وتخرج العلب على شكل مكعبات".

تُرصُّ المكعبات في المرحلة الثالثة على "مشاطيح" خشبية فوق بعضها في ركن بالورشة، تمهيدًا لنقلها بواسطة شاحنات إلى دولة الاحتلال، عبر حاجز كرم أبو سالم.

منع تصدير

لاثني عشر عامًا منعت (إسرائيل) تصدير الخردة من غزة، وقبل خمس سنوات سمحت بإعادة تصديرها وفرضت شروطًا مشددة على ذلك، وفق معطيات محلية، فإنّ نحو 200 طنٍّ يتم تصديرها يوميًّا من بين عشرات آلاف الأطنان المتراكمة طيلة مدة المنع، ويشغل هذا القطاع نحو أربعة آلاف عامل.

36f53ddd-7a02-4d80-aa60-006ea6f8ba95.jpg
 

يقول عياد إنهم "تمسكوا بتجارة الخردة التي توارثوها عن جدهم، وخلال مدة منع الاحتلال تصديرها تراكمت البضائع الخردة داخل الورشة إلى أن سُمح لهم بإعادة تصديرها قبل خمس سنوات"، مشيرًا إلى أنها لا توفر مربحًا كبيرًا لهم، لكنهم في نفس الوقت لا يستطيعون تركها لغياب البديل.

في داخل الورشة ترى أكوامًا وجبالًا من أنواع أخرى من الخردة كالبطاريات، والثلاجات والغسالات، لكن تركيز العمل يتم حاليًّا على العلب المعدنية نظرًا لارتفاع سعر بيعها مقارنة بأسعار أخرى.

تدفع الظروف الاقتصادية الصعبة الفلسطينيين للبحث عن الخردة والحديد بين القمامة، هذه القطع تصبح ثروة كبيرة وهي تغادر القطاع على ظهر الشاحنات تمهيدًا لإعادة تدويرها، في عملية تجارية يرى مراقبون أنّ الاحتلال يستغلها لتحقيق المنفعة المالية الأكبر له على حين يحصل الفلسطينيون على الفتات.

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي سمير الدقران، إنّ الخردة تدخل في صناعة الحديد كجزء لا يتجزأ، وهذه المصانع موجودة في دولة الاحتلال، ويتم تصديرها كنوع من التخلص منها ولا يوجد لدينا في قطاع غزة مصانع لاستثمار هذه الثروة الكبيرة التي يتم شراؤها من قبل الاحتلال بأسعار قليلة مقارنة ببيعها لدول أخرى بأضعاف أسعارها، وهذا يعود لعدم وجود منافس لكون التجارة تتأثر بمعدل المنافس، بالتالي يتحكم الاحتلال في السعر ولا يوجد منفذ آخر.

1d43ec61-d45f-4208-b3e0-bd2ce5cede29.jpg
 

ويصف الدقران لصحيفة "فلسطين" تجارة الخردة وخاصة الحديد بأنها ثروة كبيرة في حال جرى الاهتمام بها وترشيدها من قبل الجهات المختصة، وبيعها بأسعارها الحقيقية فإنها ستعود بنفع اقتصادي أكبر على القطاع من ناحية تشغيل عدد أكبر من العمال، وهذا يحتاج أيضًا إلى تعزيز ثقافة المواطنين لفصل النفايات ما بين الكرتون والبلاستيك التي يجري إعادة تدويرها بغزة، وبين الحديد.

ويعتقد أنه ليس من السهل إعادة تدويرها بغزة، بسبب الحاجة إلى ملايين الدولارات لإنشاء مصنع لتدوير الحديد، ولا "يوجد مستثمر يستطيع المخاطرة بهذه المبالغ، التي يمكن أن تتعرض للقصف من الاحتلال نفسه في أي عدوان على غزة".