في الآونة الأخيرة وقعت جرائم قتل متعمد بغزة غالبًا ما تكون بدافع السرقة أو لدوافع أخرى، جُلها تصب في بوتقة الوضع الكارثي الذي يعيشه سكان قطاع غزة في ظل استفحال الحصار وتشديد الخناق على القاطنين فيه، حتى بات الإجرام جزءًا خطيرًا من ثقافة مرتكبيه الذين بدوا تائهين في دوامة الحياة ومتطلبات العيش، جرائم أثارت غضب العامة من ذوى الضحايا الذين طالبوا بضرورة أخذ العدالة مجراها في معاقبة المجرم لتكون بمنزلة رادع لكل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم مشابهة لما ارتكبت قبله، هذه الأصوات طالبت بضرورة الإسراع في تنفيذ الأحكام الصادرة بحق مرتكبي تلك الجرائم، إذ لوحظ أيضًا ارتفاع نسب معدل الجريمة حسب إحصائية النيابة العامة التي جاءت أغلبها على خلفيات جنائية وشجار بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر والبطالة واشتداد الحصار، وما زالت قضايا عديدة تراوح مكانها بين أروقة القضاء، دون حسم القضية التي تؤرقنا وتؤجج مشاعر الغضب وحالة الغليان في صدورنا ليلًا ونهارًا علي ترك هؤلاء المجرمين القتلة دون تنفيذ حكم الله ثم حكم القانون فيهم، ولكن في المقابل تجدر الإشارة إلى أن عمليات البحث والتحري الدقيقة التي تقوم بها الشرطة بغزة، أدت إلى اكتشاف الجُناة مرتكبي جرائم القتل خلال مدة قياسية بسيطة عقب وقوع الجريمة بحيث لا تتعدي الساعات وكل هذه الجرائم صدرت بحقها أحكام إعدام ولكنها لم تُنفذ لعدم وجود قرار سياسي.
إصدار حكم الإعدام وتنفيذه في ضوء القانون الفلسطيني، حيث لا يوجد قانون عقوبات موحد يجمع الأراضي الفلسطينية، ففي الضفة الغربية تطبق المحاكم قانون العقوبات الأردني رقم (16) لعام 1960، وفي قطاع غزة تطبق المحاكم قانون العقوبات الانتدابي رقم (74) لعام 1936 المعدل بأمر الحاكم العسكري المصري رقم (555) لعام 1957، ويتضمن هذان القانونان أفعالًا مجرمة بالعقوبة القصوى، وهي عقوبة (الإعدام)، كما تطبق المحاكم العسكرية الفلسطينية قانون العقوبات العسكري لعام 1979 الذي كانت تطبقه منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، رغم عدم سريان هذا القانون من الناحية القانونية، ولم يحظر النظام القانوني الفلسطيني فرض عقوبة الإعدام على الأفعال الجرمية الخطرة، لكنه وضع جملة من الضمانات التي من شأنها العمل على توفير قدر أعلى من العدالة للأشخاص المعرضين للحكم عليهم بعقوبة الإعدام، فمن بين هذه الضمانات اشتراط تصديق الرئيس الفلسطيني على أحكام الإعدام قبل تنفيذها، إذ نصت المادة (109) من القانون الأساسي المعدل على "ألا ينفذ حكم الإعدام الصادر من أي محكمة إلا بعد التصديق عليه من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية"، وكذلك أكد قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لعام 2001 نفس القاعدة، وحدد إجراءات تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم، وأعطى القانون المتهمَ الحقَّ في الطعن بقرار المحكمة لدى محكمة الاستئناف خلال مدة أقصاها 15 يومًا من تاريخ صدور الحكم، قبل أن يُحال إلى الرئيس للتصديق أو العفو، الذي يتمتع بالحق في إصدار العفو العام بموجب القانون الأساسي.
كما أنها لا تزال عقوبة الإعدام سارية المفعول في منظومة القوانين الفلسطينية، وذلك على الرغم من انضمام فلسطين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتوقيع رئيس السلطة على البروتوكول الاختياري الثاني الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام، الأمر الذي يستوجب حل هذا التعارض عبر مواءمة القوانين الفلسطينية بما ينسجم مع موجبات الانضمام للبروتوكول الدولي الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام.
من هذا المنطلق الوطني، تقدمت شخصيات شعبية ومؤسسات مجتمعية بمطالبة رئاسة العمل الحكومي في غزة بتنفيذ الأحكام القضائية تحقيقًا لتثبيت دعائم الاستقرار المجتمعي وتحقيق العدالة وحماية المجتمع وردع المجرمين، في حين ينص القانون الفلسطيني على وجوب موافقة رئيس السلطة على أحكام الإعدام، إلا أن حقن الدماء وردع المجرمين أمر واجب تنفيذه لأنه طاعة لله وحق للعباد، والقصاص عدل، لما فيه خير كثير لتحقيق الأمن والأمان واستقرار المجتمع، وفيه زجر لمن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم، انطلاقًا من مسؤوليات السلطات المختصة بتنفيذ الأحكام الجزائية الباتة التي استنفدت كل درجات التقاضي أمام المحاكم المختصة، وتحقيقًا للردع العام ولجم الجريمة، يعد تنفيذ كل الأحكام الجنائية واجبًا قانونيًّا لحماية النسيج المجتمعي.
قال الله تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" وقال ﷺ: "إقامة حد في الأرض خيرٌ من أن تمطروا أربعين يومًا"، لذلك كلنا ثقة بالقضاء الفلسطيني العادل بقطاع غزة بتنفيذ أحكام الإعدام بحق المدانين بجرائم قتل مروعة، بعد استيفاء كل الإجراءات اللازمة واستنفاد درجات التقاضي أمام المحاكم المختصة، فيما يقضي القانون الفلسطيني بتوقيع عقوبة الإعدام على المدانين بجرائم التخابر مع العدو، والقتل، وتهريب المخدرات، غير أنه يُشترط تصديق رئيس السلطة على الأحكام قبل تنفيذها، وهو أمر غير متوفر في إثر تنصل رئيس السلطة من مسؤولياته، في حين لجأ المجلس التشريعي بالأغلبية النيابية واستشعارًا منه بالمسؤولية المجتمعية والسياسية إلى تغييره بقرار "رغم عدم توفر المسوغات القانونية اللازمة"، فإن الأمر يعكس قرارًا وطنيًّا وواجبًا شرعيًّا ومطلبًا قانونيًّا وحقًّا شعبيًّا للحرص على حماية الحق العام واتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ عقوبة الإعدام بهدف مكافحة الجريمة وحماية المجتمع من أي اعتداء عليه تحقيقًا للأمن والسلم المجتمعي بما يكفل حقوق كل المواطنين، ومقارنة بالضفة فإنه من خلال إحصائيات رسمية أكدت عدم تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بحالتين فقط، وهذا يدل على ازدياد الجرائم وخصوصًا القتل في محافظات الضفة في ظل غياب كامل للقانون.
الخلاصة: إن حكم الله نافذ وحدوده واجبة التنفيذ على ولي الأمر حتى يُمكن للمشروع الإسلامي تمدده، ويحفظ حماية الجبهة الداخلية وتأمين ظهر المقاومة والعمل على مكافحة الجريمة بوحدة القرار الصائب ووحدة الصف الثابت.