فلسطين أون لاين

زينة عمرو ومصاطب العلم في الأقصى.. تُرُس في وجه الاحتلال

...
المرابطة زينة عمرو
القدس المحتلة- غزة/ ضحى حبيب:

أصيبت برأسها في أثناء قمع قوات الاحتلال المرابطين في الأقصى، باشرت الاتصال بأبنائها، لكن لم يجبها أحد، نزلت والدم يسيل من رأسها، باتجاه مقبرة باب الرحمة لتصل إلى الإسعاف، فإذا رجل ملقى على الأرض يحاول المسعفون إقناعه بالصعود معهم إلى الإسعاف فيرفض ويشير لهم عليها أن "هناك امرأة أصيبت فأسعفوها". 

"لم أكن أعلم أن ذلك الرجل الملقى على الأرض هو زوجي، ولم يكن يعلم هو أن المرأة التي يشير للمسعفين بإسعافها هي أنا زوجته" بهذه الكلمات تروي لنا المرابطة المقدسية زينة عمرو (أم رضوان) موقفًا "صعبًا" من المواقف التي مرت بها في أثناء رباطها بالمسجد الأقصى، وتحكي تفاصيل إصابتها للمرة الثانية، وهذه المرة كانت في هبة باب الأسباط. 

رباط بحلقات العلم

ترجع بنا زينة في الزمن لأواخر عام 2009 لما قررت الحركة الإسلامية في الداخل المحتل أن تكثف من وجود المسلمين في المسجد الأقصى للتصدي لاقتحامات المستوطنين، الذين كانوا يستغلون فراغ الساحات من المصلين في غير أوقات الصلاة، وبعد أشهر تخللتها محاولات عدة وُلدت فكرة الرباط في الأقصى من طريق حلقات العلم. 

"في البداية كانت حلقات العلم للرجال فقط، فكنت أجلس بالقرب من إحدى الحلقات أستمع للدروس، وأغبطهم على هذه النعمة وأتمتم بداخلي: لمَ لا يكون للنساء حلقات علم كهذه؟". 

لم تُبقِ زينة المرابطة المحبة للأقصى تلك الكلمات حبيسة صدرها، فاقترحت الفكرة وحاولت أن تنفذها، ولكن لم يكتب لها التوفيق في المحاولات الأولى، "حتى التقيت الشيخ رائد صلاح في الأردن، عرضت عليه الفكرة فاستحسنها، وبدأ مع الإخوة في الحركة الإسلامية العمل على تنفيذها فعليًّا" والكلام لعمرو.

في الزوايا، وتحت الأشجار، وعلى المصاطب بدأت حلقات العلم للنساء في ساحات الأقصى، يلتففن كعقد لؤلؤ، يتدارسن العلوم الشرعية، والتجويد والتفسير والفقه وغيرها. 

تقول زينة: "كنت من أوائل المعلمات اللواتي درَّسن في حلقات العلم، وتخصصت بتدريس علوم بيت المقدس، أُعرِّفُ الزوار تاريخه ومعالمه وآثاره والمخاطر التي تحدق به". 

يدخلونه خائفين

يبدأ يوم زينة من صلاة الفجر، تجهز الإفطار وتوضب البيت، ثم تصحب أبناءها إلى المدرسة الشرعية داخل المسجد الأقصى، ثم تتوجه إلى مكان حلقتها تحضر وتراجع درس اليوم، إلى أن تتجمع النساء ويبدأ الدرس، "تبدأ الحلقات من وقت صلاة الضحى وتستمر إلى قبيل صلاة الظهر". 

عند دخولك إلى الساحات، أينما وجهت نظرك تجد مجموعة منهن تتلو القرآن أو تتعلم الفقه أو تدرس العقيدة أو تتجول في الساحات برفقة مرشدة مقدسية، يستنشقن معًا تاريخ وعراقة المكان ويشاهدن آثارًا لأمم سكنت يومًا في المدينة المقدسة. 

تسمع أصواتهن تصدح بالتكبير والهتافات، إذا ما حاولت مجموعة من المستوطنين الدخول من باب المغاربة لاقتحام المسجد الأقصى، يقفن بكل ما أوتين من قوة كالترس أمام المقتحمين المستوطنين.

تقول عن تلك الاقتحامات: "المستوطنين كانوا وما زالوا أجبن من أن يقتحموا الأقصى بوجود حشود المسلمين في ساحات المسجد الذي نرى فيه آيات الله ماثلة أمامنا، فمع أن المستوطنين يدخلون تحت حماية شرطة الاحتلال نرى الرعب والخوف في أعينهم، عندما تعلو أصوات التكبير؛ فيتفرق جمعهم، وهذا مصداق قول الله (تعالى): (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)".

لا أقسى من الإبعاد

تقول زينة عن سياسات الاحتلال للتضييق على المرابطات لثنيهن عن الرباط: "جربت كل أنواع التنكيل التي يمكن لأحد أن يجربها، ضُربت وأصبت واعتُقلت قرابة 12 مرة، وهُدد أبنائي وزوجي وحُقق معهم ومُنعت من السفر ثلاث سنوات، لكني لم أذق كمرارة الإبعاد عن المسجد الأقصى، إنه أقسى ما يمكن أن يجربه من عشق الأقصى وتعلق قلبه به".

تأخذ زينة نفسًا عميقًا وتتابع: "يدمي قلبي أن أسمع صوت الأذان من المسجد الأقصى ولا أستطيع تلبية النداء". 

تملك زينة وأخواتها المرابطات الوعي الكافي والفهم العميق لقضيتهن، فهن لا يدافعن عن حجارة وآثار، بل عن عقيدة وهوية وتاريخ، تقول: "تشعر أنه قد صار بينك وبين الحجارة لغة تفهمها، هذا ليس مجرد مكان، إنه روح، وهذا ما يدفعني للاستمرار في هذا الطريق على وعورته".

وبنبرة قوية تضيف زينة: "لمّا قدمت الأقصى والرباط فيه على أي شيء آخر، ووضعته في قمة أولوياتي؛ وجدت البركة في حياتي، وترتبت كل الأمور وانحلت كل العقد". 

وبصوت ممزوج بالتفاؤل والثقة بالوعد الإلهي، وعينين ترى النصر والتحرير قاب قوسين أو أدنى، ترسل زينة رسالة إلى كل مسلم حر: "الأقصى مسؤولية الجميع، شارك المرابطين والمرابطات في نقل المعاناة وإيصال الرسالة، لا تدري ما الذي يحدث الوعي عند أحدهم كلمة أم صورة أم صوت"، وتوصي: "خلِّ عينك وقلبك على الأقصى دائمًا".