فلسطين أون لاين

استعادة إسرائيلية لافتة لمراحل "النفي والسبي"

مع تزايد المخاطر الأمنية الخارجية على دولة الاحتلال، يتحسّس الإسرائيليون ما يعتبرونها تهديدات داخلية، كفيلة إذا ما اجتمعت مع التحديات الخارجية أن تؤدي إلى أفول الدولة، ووضع حد لها، ونهايتها، مستلهمين بذلك ما حصل للممالك الإسرائيلية في قرون ماضية، التي لم يتم تدميرها في يوم واحد، ولكن خطوة تلو الأخرى، ولذلك فإن عملية التفكك جرت بصورة تدريجية، سواء بالقوة الخارجية المعادية، أو نتيجة لعمليات داخلية، أو الاثنين معاً.

ترصد المحافل الإسرائيلية ما تعتبرها جملة من العمليات الخارجية والداخلية في المجالات السياسية والاجتماعية والأمنية، التي خلقت جميعها ظروفًا تشغيلية أكثر ملاءمة للأعداء لقضم الممالك اليهودية، وتحويلها مع مرور الوقت إلى أشلاء، على اعتبار أن هذه العمليات مجتمعة أدت بهذه الممالك اليهودية إلى ضياع الاتجاه، وتقويض أحجار الأساس، والإضرار بالهوية اليهودية لها، من خلال نشوء ظواهر الفئوية والتطرف الداخلية.

يتزامن الاستعراض الإسرائيلي لما حلّ بالممالك اليهودية في قرون سابقة مع ما تعيشه دولة الاحتلال في السنوات والعقود الأخيرة، حيث مارست الضغوط الداخلية والخارجية تأثيرها على قيادتها على الانجرار لمواقف معقدة، والاستسلام في بعض الأحيان، والانسحابات من بعض الأراضي التي أقامت عليها الدولة قبل أكثر من سبعين عامًا.

تهديد آخر قد يعجل بتكرار مرحلة "السبي" التي عاشها اليهود سابقا، يتمثل في تفكك المجتمع الإسرائيلي، وخلق الانفصال بين الدين والدولة، بزعم أن "إسرائيل" دون دين تكون دولة لجميع مواطنيها، لكنها خالية من قيمها اليهودية، وسيكون من السهل أن تصبح كيانًا مرتبكًا مثل كل البلاد، والنتيجة أن تصبح دولة ضعيفة، وخالية من المحتوى، وتشهد مزيدًا من الاستقطاب الداخلي.

فضلًا عن العوامل الداخلية لإمكانية تفكك دولة الاحتلال من داخلها، فإن السطور السابقة لا تنتقص من المخاطر الخارجية، المتمثلة بمواجهة مع الفلسطينيين والعرب، واستغلال ما يعتبرونه ضعفها وسذاجتها، من خلال إبرام المزيد من الترتيبات المؤقتة والاتفاقات "الوهمية"، واعتماد إستراتيجية المراحل المتدحرجة، والدخول في حالة من حرب الاستنزاف، واتباع سياسة "خطوة بخطوة"، تمهيدا لتحرير فلسطين.

لا يخفي الإسرائيليون وهم يتحدثون عن المخاطر المحدقة بالدولة تركيزهم على ظاهرة تآكل المبادئ التي قامت عليها دولة الاحتلال، وصولًا إلى الخطة النهائية المتمثلة بتدمير الدولة ذاتها، ليس في ضربة واحدة ساحقة، كما تم تجربتها دون نجاح كبير، بل تنفيذها على مراحل، شيئًا فشيئًا، حتى ينفصل المجتمع اليهودي عن الداخل، ولم يعد قادرًا على تحمل التحديات والضغوط الخارجية.

فضلا عن ذلك، فهناك تراجع معدلات التجنيد في الجيش، والتخفيض التدريجي لدراسة التوراة، والتقليل من مساحة تدريس "تاريخ شعب إسرائيل"، مما يعني إغفال الأصول الثقافية لليهود، وهو سلوك لا يقل خطورة عن المخاطر الإستراتيجية الخارجية التي قد تضر بالدولة.