تسارعت وتيرة الأحداث والتطورات السياسية التي شهدتها الضفة الغربية المحتلة في الأيام والأسابيع القليلة الماضية، وهذا وسط انتشار مكثف لظاهرة الفلتان الأمني الذي ترعاه وتؤيده السلطة برئاسة محمود عباس وأجهزته الأمنية المُنتشرة في مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة، ولعلَّ أبرز الأحداث مُحاولة اغتيال الأكاديمي الدكتور ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء الفلسطيني السابق في أثناء مشاركته في جاهة زفاف في قرية كفر قليل، وذلك على يد مجموعة من المُسلحين قاموا بإطلاق النار على مركبته، ما أدّى إلى إصابته في قدمه ونقله على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
إنّ حادثة إطلاق النار على الدكتور ناصر الدين الشاعر قد أدَّت إلى تصاعد حالة الغضب الشعبي والجماهيري رفضًا لأداء سلطة فتح محمود عباس، وهذا نتيجة انتشار ظاهرة الفلتان الأمني المُمنهج والمدعوم بانتشار سلاح عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الذي تستخدمه في ارتكاب الجرائم سواء ما عُرف منها وظهر للرأي العام في جريمة اغتيال الناشط والمعارض السياسي نزار بنات أو ما يدور ويُخطط له خلف أعين الكاميرات كما حدث خلال إطلاق النار على الطلبة المعتصمين في جامعة النجاح، تبدو حادثة محاولة اغتيال الأكاديمي الدكتور ناصر الدين الشاعر كما رجّح الكثيرون بما حدث من إطلاق النار على مركبته قد جاء بعد جريمة الاعتداء الآثمة عليه في جامعة النجاح
ومما لا شك فيه بأنّ إطلاق النار على مركبة الدكتور الشاعر وإصابته في قدمه تُدلل على استهداف واضح ومخطط له من عناصر تنتمي للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، وذلك لإسكات صوت كل وطني حر شريف وتصفيته كما حدث مع المعارض السياسي نزار بنات الذي تم اغتياله على يد عناصر أمنية تتبع جهاز الأمن الوقائي في السلطة.
ومن الواضح بعدما حدثت جريمة الاغتيال المكتملة الأركان، بأنّها جاءت لِتُعبّر عن تفشي وانتشار ظاهرة الفلتان الأمني الذي تكسوه أهداف خبيثة لا تخدم الشعب الفلسطيني الثائر الرافض للفساد إلا في تكرار محاولة إيصال رسالة تهديد مفادها الملاحقة والاعتقال والإرهاب، إضافة إلى تهديد مكونات المجتمع الفلسطيني الذي يحتوي شخصيات وطنية وسياسية وقامات علمية أكاديمية لها حضورها ومكانتها داخل المجتمع الفلسطيني.
إنّ سيادة الفوضى الأمنية بالضفة الغربية المحتلة سببها انتشار السلاح في أيدي الكثيرين من عناصر الأجهزة الأمنية التي لا تقوم بواجبها الأمني تجاه المواطنين ولا تحافظ على حالة السلم والأمن المجتمعي، ولا سيّما أنّ العشرات من أفراد الأجهزة تستخدم السلاح في المشكلات العائلية.
وترجع فوضى انتشار السلاح إلى نهاية عام 2008 عندما سلّمت عناصر من شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح سلاحها مقابل عفو "إسرائيلي" عن عناصرها واحتواء بعضهم في الأجهزة الأمنية، ومع ذلك فإنّ الحالة النضالية والثورية لحركة فتح برئاسة محمود عباس شبه تم القضاء عليها ووأد مقاومتها العسكرية، وبقاء شيء مما تدَّعي به المقاومة الشعبية، وحتى هذه مُفصّلة حسب مقاس منظومة السلطة الفلسطينية، خاصة مع ما تشهده الضفة الغربية المحتلة من غياب التضامن والتفاعل مع القضايا والثوابت الوطنية أبرزها قضية الأسرى التي لا تحظى بتحرك السلطة.
ولم يقف الأمر عندها بل صاحبها وقوع جرائم فلتان متكررة من عناصر أجهزة السلطة وإعدامات ميدانية متواصلة من الاحتلال الصهيوني، وكل ذلك يصب في دائرة أحداث الفلتان الأمني في الضفة الغربية المحتلة، وهذا بالتزامن مع وجود قياسات لاستطلاعات رأي بنسب مرتفعة من الشعب الفلسطيني لا تؤيد سياسة السلطة، وخاصة نهج التنسيق الأمني واستمرارية العلاقة مع الاحتلال الصهيوني في ظل تهافت قيادات فتحاوية في أعلى هرم السلطة وسعيهم للانقضاض على منصب ما بعد خلافة محمود عباس.
ومن المعلوم بأنّ الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تدعم استخدام السلاح، وتطلق النار على المواطنين خاصة المُعارضين بهدف الاغتيال والتصفية وإسكات الصوت المعارض كما جرى في حوادث وجرائم عدّة بالضفة، ومؤكد أنّ أجهزة المخابرات الصهيونية من خلال التنسيق الأمني تعلم بوجود الكميات الكبيرة من الأسلحة المتنوّعة، لكنّها مطمئنة لكون هذا السلاح لا يوجّه إلى قوّاتها "الإسرائيلية"، وعليه تترك قطع السلاح في يد زعران السلطة لإظهار صورة الهيبة والادّعاء بالقوة ومحاولة الاستبداد والهيمنة وللمصالح الخاصة منها نصيب للدفاع عن شخصيات لديها نفوذ وسيطرة داخل أجهزة السلطة.
ومن الجدير ذكره بأنّ جريمة محاولة اغتيال الأكاديمي الدكتور ناصر الدين الشاعر ليست الأولى؛ بل سبقها جرائم وأحداث أخرى في الفترة الماضية تحديدًا في جامعة النجاح الوطنية إذ أطلقت عناصر أمن الجامعة الرصاص والغاز على الطلبة، ولا سيّما مع وجود أفراد من أمن جامعة النجاح يعملون لأجهزة سلطة التنسيق الأمني، ولذلك يستوجب ويستدعي من كل مكونات المجتمع الفلسطيني كشف الغطاء السياسي عن منظومة فساد السلطة والدعوة إلى حماية المؤسسات التعليمية وتفعيل القانون الفلسطيني حتى يأخذ مجراه بمحاسبة الفاعل المتسبب بالجريمة مع ضرورة تأكيد وقف نهج الفلتان الأمني وتأمين الحماية للفلسطينيين، كما يجب على الفصائل والأحزاب السياسية إدانة وتجريم الحدث والقائمين عليه أيًّا كانوا، ويبقى السؤال مطروحًا لدى الرأي العام الفلسطيني الوطني الحر للإجابة عنه في المكان المناسب والتوقيت المناسب وحسب الأدلة والشواهد السياسية التي وقعت مؤخرًا.