ما زالت الأزمة الإسرائيلية الروسية تتفاقم، دون أفق سياسي لحلّها، مما أفسح المجال للأوساط السياسية والدبلوماسية في دولة الاحتلال لتوجيه سهام انتقاداتها إلى دوائر صنع القرار، السابقة في عهد بنيامين نتنياهو، أو الحالية بزعامة نفتالي بينيت، والآن يائير لابيد، لأنهم جميعًا أداروا تجاه روسيا سياسة ضيقة الأفق، تشترك في قواسم مشتركة أهمها أن لديها اعتبارات ضيقة، وليس لديها القدرة على اجتراح سياسة رشيدة تحقق للاحتلال مصالحه بعيدة المدى مع قوة عظمى مثل روسيا.
صحيح أن تشاؤمًا إسرائيليًّا بأن حل الأزمة لن يكون في الأفق المنظور، لكن ما يشغل (تل أبيب) فعلا هو محاولة التعرف على النوايا الخفية والدوافع المحتملة للرئيس فلاديمير بوتين تجاهها، مع أن التركيز الإسرائيلي على تبعات الأزمة مع روسيا يكمن في مسائل تكتيكية، وليست إستراتيجية، وهذا خطأ يرتكبه الاحتلال وفق منتقديه، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار مخاطر الخشية من عدم قدرة سلاح الجو على مواصلة القصف في سوريا.
كما أن النظرة الإسرائيلية للتواجد الروسي في سوريا منذ 2015 بقي في الإطار التكتيكي فقط، بل إن نتنياهو لم يتردد بتفاخره بالتنسيق الكبير مع بوتين، وعمل على تسويق صورهما في الساحة الحمراء، رغم أن نظرة أكثر شمولية للوضع القائم في سوريا سيعطي إجابة مفاجئة مفادها أن روسيا ليست منزعجة كثيرا من التفجيرات التي تنفذها الطائرات الإسرائيلية ضد المواقع والأهداف الإيرانية في سوريا، بل قد تتماشى مع بعض مصالحها.
يأخذ الإسرائيليون على حكومتهم أنها لا تنظر لتبعات الأزمة مع روسيا من الناحية الاستراتيجية بعيدة المدى، بدليل تحوّل إيران وتركيا اليوم جزءً من الملجأ الذي يحاول بوتين بناءه في مواجهة العزلة والعقوبات الدولية والاقتصادية، وإذا كان الإيرانيون لديهم أسبابهم الخاصة "للتنمّر" على الإسرائيليين، فإن الروس لا يمانعون هذا السلوك، بسبب الموقف الإسرائيلي المتباعد عنهم في الحرب الأوكرانية.
النتيجة أن ما أبدته دولة الاحتلال من إجراء مناقشات متعددة للمشاركين عقدها رئيس الوزراء، أو التحذيرات من تفاقم الأزمة السياسية مع روسيا، يعبر عن ضعف حقيقي، وفق التقييم الإسرائيلي، رغم أن الأمر الأكثر إثارة للقلق من وجهة النظر الإسرائيلية يكمن في صمت القيادة "المهنية"، والمقصود هنا القيادتين العسكرية والأمنية، المناطة بهما بصورة أساسية التعامل مع السلوك الروسي المتوقع في الملفين السوري والإيراني.
الخلاصة الإسرائيلية أن هناك حالة من عدم وجود الجدية، وتداخل الاعتبارات غير المهنية في القرارات الخاصة بالتعامل مع الأزمة الروسية، مقابل "تقديس" الاعتبارات التكتيكية على حساب الاستراتيجية، وهذه "حماقة" يخشى الإسرائيليون أن يدفعوا ثمنها في قادم الأيام، إن لم يتم العثور على حل يوقف التدهور المتسارع مع روسيا.