يحتفل العالم الإسلامي بمطلع عام هجري جديد هو عام ١٤٤٤ جعله الله عام بركة ونصر لنا وللمسلمين في كل مكان. مع مطلع كل عام هجري جديد يقارب الخطباء والمتحدثون هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة حيث بيت الله الحرام ومقام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى المدينة المنورة الطيبة، وبين هجرة شعبنا الفلسطيني في عام ١٩٤٨م من فلسطين وبيت المقدس (مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنطلق معراجه إلى السماء) إلى مواقع شتى خارج فلسطين. فهل ثمة نقاط مشتركة بين الهجرتين يمكن للفلسطيني أن يستأنس بها؟
الجواب يقول ربما نجد نقاطًا مشتركة إذا قاربنا الموضوع بقدر من التسامح. فمثلًا الرسول صلى الله عليه وسلم أخرجه قومه عنوة بعد إيذاء له ولأصحابه، فصبر وصبروا معه حتى أذن له الله بالهجرة من مكة إلى المدينة. وأجدادنا تعرضوا لإيذاء المستعمر البريطاني، والمستوطن اليهودي، وقاوموا المعتدين ولكنهم فشلوا، فاضطروا إلى الهجرة، وشجعهم عليها قادة العرب المتآمرين مع بريطانيا، وزينوا لهم الخروج على أنه مؤقت، وأنهم سيقاتلون اليهود دونهم؟! وكانوا كاذبين.
الرسول صلى الله عليه وسلم في خروجه من مكة وقف في طريق هجرته على مرتفع على حدود مكة وخاطبها بأنها أحب أرض الله إلى الله، وأحب أرض الله إليه، و"لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت". فرسم صلى الله عليه وسلم الوطنية وحب الوطن والأرض ومربى الصبا على نحو لم ترسمه النظريات الحديثة. طبعا لم ينقل لنا أن قائدًا فلسطينيًّا وقف في عام ١٩٤٨م يقول مثل هذه الكلمات للقدس وفلسطين، ولكن واقع الحال الذي نعيشه، ولسان حالنا نحن وحال أجدادنا يوم خروجهم يقول ذلك.
الفلسطيني يقسم أن القدس هي أحب أرض الله إليه، ولولا اليهود، والمتأمرين، ما خرجوا منها. وأنهم لن يفرطوا بذرة تراب منها، ولن يسلموا مربى صباهم لأعداء الله وأعداء رسوله. الرسول أحبّ مكة، ونحن نحبها لحبه لها، ونحبّ القدس والأقصى لأن الله بارك لنا فيها، وجعلها مجتمعا لأنبيائه، وملاذًا للخائفين من فتنة الدجال، ومنطلقًا لخلافة عيسى عليه السلام والعدل.
انتهت آلام هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بفتحه مكة، ودخول من أخرجوه منها في دين الله أفواجا، وشارك أهلها ممن حسن إسلامهم في الفتوح ونشر الإسلام. ولم تنته بعد هجرة الفلسطينيين لا بنصر على اليهود ولا بفتح، ولكنهم ينتظرون ذلك ويعملون له، ويمارسون نشر الدعوة وتعليم القرآن، ويتصدون يوميًّا لمؤامرات القريب والبعيد، وتغوُّل المحتل وأعوانه، وفي صدروهم أن نصر الله قادم، وأنه منهم قريب، وأنهم سيفرحون كما فرح المؤمنون بفتح مكة ونصر الله لهم.
نعم، ثمة قواسم مشتركة بين هجرتنا والهجرة الأولى، ولعل أهم قاسم هو الأمل المشترك بيننا وبينهم بنصر الله. كل عام هجرى وأنتم بخير، وأخص بالتهنئة أسرة جريدة فلسطين وقراءها.