منذ حرب 1967م وإعلان الكيان العبري ضم شرقي القدس إليه، وعد القدس "العاصمة الأبدية" له رغمًا عن إرادة أهلها الفلسطينيين؛ منذ ذلك الوقت تعاقبت الحكومات الإسرائيلية على العمل لإقرار وتطبيق الإجراءات من جانب واحد، خارقة بذلك القواعد والقوانين الدولية، وضاربة عرض الحائط بجميع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة ومختلف المنظمات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي جميعها عدت مدينة القدس جزءًا لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة، وأن ما يقوم به الكيان العبري في المدينة مخالف لصلاحيات الدولة المحتلة حسب القواعد والقوانين الدولية.
ومنذ ذلك الحين عمد الاحتلال إلى تهويد المدينة وتوطيد السيطرة عليها بمصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات، إذ اتبع إستراتيجية التهويد العمراني ومصادرة الأراضي واستخدام أساليب مصادرة الأراضي المتنوعة، ومن أهم هذه الأساليب كانت مصادرة أراضي الغائبين ومصادرة الأراضي لأغراض عسكرية وأمنية، وهناك مخططات هيكلية ترمي إلى زيادة عدد السكان اليهود بالتطوير الإسكاني، وشملت مصادرة أراضي شرقي القدس، ومنع توسيع الأحياء الفلسطينية وتحويل مساحات واسعة منها إلى مناطق خضراء يحظر البناء فيها، فضلًا عن شراء الأراضي من طريق "الصندوق القومي"، ومؤسسة (هيمنوتا) هي المسؤولة عن عملية الشراء هذه.
بناءً على ما تقدم باستعراض وقائع سياسات الاحتلال والإجراءات التعسفية بحق المقدسيين في القدس، التي تعد عوامل طاردة لهم؛ يجب علينا تعزيز صمودهم بـ:
أولًا: على المستوى السياسي:
اعتماد مرجعية واحدة موحدة للقدس، وذلك بالعمل على تعزيز دور المؤسسات المقدسية، وخاصة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي صدرت بمرسوم رئاسي، وتنسيق العمل السياسي للقدس وفقًا لرؤية إستراتيجية سياسية تستند إلى أساس أن القدس منطقة منكوبة من الطراز الأول، وبناء على ذلك لابد من رسم الخطط التي من شأنها تعزيز صمود المقدسيين في القدس بكل الأشكال، وإعلان الجهات ذات الاختصاص رسميًّا وسياسيًّا قانون العاصمة لدولة فلسطين (القدس).
ثانيًا: على مستوى الجهات الفلسطينية الرسمية:
إقرار ضريبة الواحد بألف من موظفي القطاع العام (منظمة التحرير والسلطة) لصندوق القدس الوطني، وإصدار طابع القدس، ودفع ضريبة القدس على المعابر بمبلغ محدد، وضريبة المعاملات المالية والتجارية، وضرائب موزاية كمتقطعات من القطاع الخاص، وإدراج القدس بشكل دائم على جدول أعمال اللجنة التنفيذية، ما يؤدي إلى استمراية اتخاذ اللجنة التنفيذية للقرارات السياسية والاجتماعية، واتخاذ المعالجات المستمرة لواقع القدس ومتطلباتها.
ثالثًا: على المستوى القانوني والدولي:
مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الكيان العبري لوقف النقل القسري المهدد للمقدسيين، وتأمين الحماية للفلسطينيين في الأرض المحتلة، ووقف انتهاج سياسة التطهير العرقي التي تستهدف الوجود الفلسطيني في القدس، وتحريك دعاوى أمام محكمة العدل الدولية، ولجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لوقف الكيان تنفيذ قراره المخالف للعرف والقانون الدولي، والمطالبة بإلغاء ما يسمى "قانون المواطنة والدخول إلى (إسرائيل)"، لما ينطوي عليه من تمييز عنصري ضد الفلسطينيين، وضمان حرية الفلسطينيين في القدوم إلى القدس والخروج منها، والإقامة والعيش فيها.
رابعًا: على الصعيدين التعليمي والصحي:
تفعيل دور مديرية التربية والتعليم مرجعية للتعليم في القدس كشراء واستئجار أبنية لاستعمالها مدارس، وتفعيل المواثيق الدولية ذات العلاقة، وتأهيل المعلمين (من طريق المديرية)، وزيادة الرواتب والحوافز، وتسديد التأمينات الإجبارية .
وعلى الصعيد الصحي تعزيز واقع المؤسسات الصحية الوطنية بتعزيز موازناتها المالية، وزيادة عدد العيادات والمراكز الصحية في القدس للزيادة الملحوظة في تعداد السكان، والعمل على فتح مستشفى في البلدة القديمة، والتفكير بغيره في باقي أحياء القدس، وتزويد المراكز الصحية بأجهزة طبية متطورة، وفتح مراكز إسعاف أولي في مختلف أحياء المدينة.
خامسًا: على مستوى الإسكان في القدس:
متابعة ما كان قد حث عليه يومًا أمير القدس الراحل فيصل الحسيني حين قال: "اشترِ زمنًا في القدس"، ومع ازدياد ضرائب (أرنونا) على المقدسيين، وفرض إجراءات تعسفية بحقهم لاستصدار أوامر تراخيص البناء يجب دعمهم ماديًّا بالدرجة الأولى دوليًّا ومحليَّا ومن المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال، وذلك من أجل الحفاظ على وجودهم في المدينة، وعدم لجوئهم للانتقال إلى قرى ضواحي القدس خارج جدار الفصل العنصري، كبلدة كفرعقب وعناتا وسميراميس ... إلخ.
سادسًا: على مستوى المؤسسات المقدسية:
سياسة إغلاق المؤسسات في مدينة القدس ترمي إلى حرمان أهالي القدس حقهم في الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي حرمهم الاحتلال، إن تلك السياسات غير معزولة عن سياسات الاحتلال التي تمارس ضد المقدسيين، وترمي بمجملها إلى تهويد المدينة وتفريغها من سكانها ضمن إغلاق المؤسسات المقدسية، ومصادرة الأراضي، وبناء المستعمرات، وهدم المنازل وسحب الهويات وإغلاق المدينة وعزلها عن باقي أجزاء الوطن بالحواجز العسكرية وإقامة جدار الفصل العنصري، لذلك يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية تخصيص مبالغ للحفاظ على هذه المؤسسات وإعادة افتتاحها، وذلك كي لا يلجأ المواطن المقدسي إلى العمل لدى كيان الاحتلال، أو كي لا تسيطر المؤسسات الأجنبية على المدينة بموجب شروطها الخاصة.
سابعًا: على مستوى الأسرى والجرحى:
دعم أسرى القدس ماديًّا ومعنويًّا، وذلك لما يعانيه الأسير المقدسي من قوانين جاحفة بحقه، وأيضًا دعم الجرحى المقدسيين بتوفير العلاج لهم مجانًا داخل البلاد أو خارجها.
ثامنًا: على المستوى العربي:
1- مطالبة الدول العربية بالإيفاء بما تعهدت به من التزامات مالية لدعم الموازنة الفلسطينية، وفق قرارات القمم العربية المتتالية.
2- مطالبة القائمين على الصناديق التي أنشئت من أجل القدس بتفعيل عمل تلك الصناديق، دعمًا لصمود أهل القدس وتثبيتهم في مدينتهم.
3- ضرورة إجراء عمليات توأمة بين القدس عاصمة دولة فلسطين وعواصم ومدن الدول العربية، لدعم صمود الأهل في القدس الشريف في جميع المجالات.