إن القانون الدولي الجنائي فرعًا من القانون الدولي العام يعطي جميع الفلسطينيين المتضررين من جرائم الاحتلال الإسرائيلي كل الحق القانوني بالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب، ولإلقاء المزيد من الضوء على هذه القضية إنه من الأوجب تحديد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة مجرمي الحرب، لمساندة الضحايا الفلسطينيين في رفع الشكاوى الجزائية في المحكمة الجنائية الدولية على المسؤولين عن تلك الجرائم، فالمادة الخامسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد عددت جرائم الحرب طائفةً من طوائف الجرائم التي تختص المحكمة بمحاكمة مرتكبيها, وكانت المادة الثامنة من النظام الأساسي قد حددت جرائم الحرب التي تختص المحكمة الجنائية بمحاكمة الفاعلين لها؛ فإن من المتعين الانتباه إلى أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة مجرمي الحرب هو اختصاص تكميلي للقضاء الوطني, بحيث إذا تصدى القضاء الوطني لمحاكمة مجرمي الحرب فلا يكون هناك من سبيل لإجراء المحاكمة أمام القضاء الجنائي الدولي، إلا إذا تبين للمحكمة الجنائية الدولية أن السلطات الوطنية غير راغبة أو غير قادرة فعلًا على القيام بإجراءات التحقيق والاتهام.
ومسألة تحديد المقصود بعدم الرغبة أو عدم القدرة كانت مثارًا للجدل والخلاف في أثناء مداولات مؤتمر روما الدبلوماسي في عام 1998م, إذ ذهب بعضٌ إلى أن استخدام عبارتي "غير راغبة" و"غير قادرة" يضيق ويحد من اختصاص المحكمة، لأنهما عبارتان يغلب عليهما المعيار الشخصي الواسع, ولا تنطويان على معيار موضوعي محدد, ثم قد نادى أنصار هذا الاتجاه بتفضيل استخدام عبارة "غير فعالة" بدلًا من عبارة "غير راغبة", وعبارة "غير متاح" بدلًا من "غير قادرة"، وعبارة "غير فعالة" تعود على الإجراءات القضائية أمام القضاء الوطني, أما عبارة "غير متاح" فتعود على النظام القضائي الوطني ككل، وحتى تتوصل المحكمة الدولية أن دولة ما غير راغبة يجب أن تحدد نية السلطات الوطنية، ولكي تتوصل إلى أن الدولة "غير قادرة" يجب أن تتبين أنه بالنظر إلى الانهيار الجزئي أو الكلي للنظام القضائي الوطني, أصبحت الدولة غير قادرة على الاضطلاع بالإجراءات القضائية.
وقد نصت المادة 17 من النظام الأساسي للمحكمة على أنه:
"مع مراعاة الفقرة 10 من الديباجة والمادة 1 وتقرير المحكمة أن الدعوى غير مقبولة في حالة ما:
(أ) إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها ولاية عليها، ما لم تكن الدولة غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك.
(ب) إذا كانت قد أجرت التحقيق في الدعوى دولة لها ولاية عليها وقررت الدولة عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن القرار ناتجًا عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقًّا على المقاضاة.
(ت) إذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على السلوك موضوع الشكوى، ولا يكون من الجائز للمحكمة إجراء محاكمة طبقًا للفقرة 3 من المادة 20.
إذا لم تكن الدعوى على درجة كافية من الخطورة تسوغ اتخاذ المحكمة إجراء آخر.
2- لتحديد عدم الرغبة في دعوى معينة، تنظر المحكمة في مدى توافر واحدًا أو أكثر من الأمور التالية، مع مراعاة أصول المحاكمات التي يعترف بها القانون الدولي:
(أ) جرى الاضطلاع بالإجراءات أو يجري الاضطلاع بها أو جرى اتخاذ القرار الوطني بغرض حماية الشخص المعني من المسئولية الجنائية عن جرائم داخلة في اختصاص المحكمة على النحو المشار إليه في المادة 5.
(ب) حدث تأخير لا مسوغ له في الإجراءات بما يتعارض في هذه الظروف مع نية تقديم الشخص المعني للعدالة.
(ج) لم تباشر الإجراءات أو لا تجري مباشرتها بشكل مستقل أو نزيه أو بوشرت أو تجري مباشرتها على نحو لا يتفق، في هذه الظروف، مع نية تقديم الشخص المعني للعدالة.
3- لتحديد عدم القدرة في دعوى معنية، تنظر المحكمة هل الدولة غير قادرة، بسبب انهيار كلي أو جوهري لنظامها القضائي الوطني أو بسبب عدم توافره، على إحضار المتهم أو الحصول على الأدلة والشهادة الضرورية، أو غير قادرة لسبب آخر على الاضطلاع بإجراءاتها.