لم يتوقع أكثر الإسرائيليين تشاؤمًا أن يصل حجم التأثير المتعدد الجوانب للحرب الأوكرانية الروسية عليهم إلى هذا الحدّ من التوتر مع موسكو، بعد أن وصل إلى ذروته بتهديدها بإغلاق مقار الوكالة اليهودية بين لحظة وأخرى، وما سبقها من توبيخ لسفيرهم فيها بسبب الموقف من الحرب، فضلًا عن الخلاف الناشب بشأن الممتلكات المتنازع عليها في القدس المحتلة، وصولًا الى "اكتشاف" لافروف جذور هتلر اليهودية.
من المشروع إبداء استغراب مآلات العلاقات الإسرائيلية الروسية، وقد وصلت سابقًا إلى حد كبير من تبادل المصالح، وشهدت مرحلة وئام لم تعرفها من قبل، وتمثلت في التسهيلات الكبيرة التي حظي بها الرأسماليون اليهود في موسكو، واحتلال بعضهم مواقع مؤثرة في الكرملين، وامتلاكهم وسائل إعلامية، وتنظيم أكبر هجرة لليهود الروس بما يقترب من مليون نسمة في المدة من 1990 حتى 2006، وهي الهجرة الأكبر لهم بعد الهجرة الأولى عقب احتلال فلسطين في 1948.
أيضًا حافظ قادة الاحتلال على زيارات رسمية روتينية إلى موسكو، وعلى وتيرة معينة من العلاقات الثنائية، حتى عُدّ بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة السابق الزعيم العالمي الأكثر زيارة إلى الكرملين في المدة من 2016 حتى 2020، وناقش خلال زياراته قضايا ومشكلات عديدة، وساهمت البيئة الإستراتيجية للاحتلال بزيادة حرصه على مد الجسور مع روسيا، مع تحول الشرق الأوسط إلى ساحة تنافس بين القوى العظمى.
مع العلم أن دوائر صنع القرار في (تل أبيب) كثفت من تواصلها مع نظيرتها في موسكو، عقب إدراكها تراجع مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة مع بداية عهد بايدن، واهتمامها بمناطق أخرى، بعد الانسحاب من أفغانستان والعراق، وشعور حكام (تل أبيب) شيئًا فشيئًا بحجم الفراغ الذي تتركه واشنطن خلفها.
كل ذلك لم يمنع الاحتلال من أخذ موقف منحاز في الحرب الأوكرانية، انسجامًا مع حالة الاصطفاف الدولي فيها، وعودة أجواء الحرب الباردة التي انتهت عمليًّا في عام 1991، صحيح أنه أراد أن يكسب من طرفيها معًا، وهذا ديدنه في كثير من الأحيان، لكنه لم ينجح في النهاية، بدليل تدهور علاقاته مع موسكو، وكلما طال أمد الحرب، زاد دفع الأثمان الإسرائيلية فيها.
قد لا يختلف اثنان من الإسرائيليين أنهما لا يرجوان للتوتر القائم مع موسكو أن يصل إلى خط عدم الرجعة، المتمثل في حظر التحليق في الأجواء السورية على طيران الاحتلال، فهذا يمكن وصفه بـ"السيناريو الكابوس" له، وهو لا يريد ذلك، وربما لا تملك دوائر صنع القرار في (تل أبيب) حتى كتابة هذه السطور تقدير موقف دقيق عن طبيعة الموقف المتخذ، إن وصلت الأمور إلى هذا المستوى من التدهور، مع أن ذلك يعني "حشرها في الزاوية"، وتضييق خياراتها تجاه الجبهة الشمالية.