عبد الرحمن صبح، ومحمد العزيزي، ومن كان معهما في المواجهة، قدموا صورة مجددة للوطنية الفلسطينية القائمة على التضحية بالنفس والدم من أجل الدين والحرية. قاتلوا بشجاعة لساعات قوات الاحتلال التي دخلت المدينة القديمة من نابلس الثانية فجرًا متخفية بلباس مدني. الدفاع عن النفس أسفر عن شهادة صبح والعزيزي، ونجاة آخرين، وإصابة عشرة من المواطنين.
كانت معركة الأحد الرابع والعشرين من شهر مايو الحالي معركة حقيقية وتاريخية، إذ أعادت المعركة وإصرار الشهيدين على القتال ما تميزت به نابلس منذ عشرين سنة في عام ٢٠٠٠م و٢٠٠٢م، الأمر الذي أعاد الروح لشعب جبل النار، الذي خرج عن بكرة أبيه في جنازة مهيبة يشيع الشهداء، ويهتف بالانتقام، وللمقاومة.
أول من أمس كانت جنين تقود المقاومة على نحو أوجع العدو، وأمس حملت الراية نابلس وجددت العطاء التاريخي الذي تميزت به بين مدن وقرى فلسطين. نابلس وجنين تقودان الآن خيار العودة للمقاومة والانتفاضة بعد سنوات عجاف أمضاها الشعب تحت سطوة المفاوض الفلسطيني الفاشل، الذي عاد بعد عشرين سنة من المفاوضات بخفي حنين، صفر اليدين.
الفلسطيني قد يصبر، وقد يصمت، ولكنه لا ينسى وطنه، ولا يتنازل عن حقه في الحرية وتقرير المصير، وإذا كان العدو قد أعلنها صريحة أنه لا دولة، ولا سيادة، ولا تقرير مصير، فإن الفلسطيني يعلن أن الحقوق تنتزع انتزاعًا، وأنه لن يقف عند ما وقف عنده محمود عباس، وأن طريقه لأهدافه معبدة، عبدها الشهداء بالدم في رحلة طويلة منذ النكبة وحتى تاريخه، وإنه كلما خبت موجة مقاومة، جدد الفلسطيني موجة جديدة، ومن لا يأخذ العبرة من التاريخ، فيمكنه أخذها من نابلس، ومن شخصيته الفلسطينية وصموده العجيب وهو يبحث عن حقوقه الوطنية والدينية.
نابلس التي شيعت الشهداء، هي نابلس التي أرسلت رسائل تأييد للمقاومة، ورسالة انتهاء صلاحيات مشروع (وكالة العدو) في أرض نابلس!