علاء البازيان الأسير الضرير الذي أكمل أربعين سنة في السجون الصهيونية في مجموع ما مكث خلف القضبان، هو ممن أعيد اعتقالهم من الأسرى المحرّرين في صفقة وفاء الأحرار، وقد مضت ثماني سنوات على هذا الاختطاف الآثم الذي قامت به قوات الاحتلال واقتحمت بيته في حارة السعدية في القدس وعلى خط موازٍ كان هذا الاختطاف من نصيب قرابة سبعين أسيرا تم اختطافهم بذات الطريقة الهمجية التي إن دلّت فإنها تدلّ على أن هذا الكيان أبعد ما يكون من كونه دولة، بل هو عصابة تقوم بدورها الإجرامي دون أدنى حساب لاتفاقية أو تعهدات أو أيّ اعتبار أخلاقي أو إنساني أو قانوني أبدا.
نتحدّث عن ثماني سنوات من أعمار رجال قد بلغوا من العمر عتيّا واشتعلت رؤوسهم شيبًا لأن أغلبهم كانوا قد بلغت حبساتهم أكثر من عشرين سنة وأعمارهم فوق الخمسين، والآن تستمر عملية الاختطاف لتتجاوز الثماني سنوات دون أيّ سبب أو مبرّر يذكر، فالأمر إذن في غاية الإجرام والتوحّش وإمعان للمحتل في العدوان على الإنسان الفلسطيني بكل صلف وصفاقة ولؤم. وهذا يثبت مرارًا وتكرارا بأنّ هذه العصابة لا تحترم عهدا ولا اتفاقا أبدا.
نتحدّث عن ثماني سنوات نما فيها وترعرع أطفال بلغوا هذه السنوات من أعمارهم دون أن يروا آباءهم في البيت ودون أن تعانق أياديهم الصغيرة يد أبيهم الحانية ودون أن يجدوا صدرا شفوقا تلوذ إليه رؤوسهم الصغيرة، علاء مثلا له ابنتان تاريخ ميلادهما مرتبط بميلاد صفقة وفاء الأحرار، نضال زلوم له ثلاثة كانوا من الثمرات الجميلة لهذه الصفقة، كيف سارت بهم أيام طفولتهم من غير أبيهم، لا شيء أبدا يعوّض فقدان الأب، قد نجد من الحضن الأسري ما يثلج الصدر، ولكن الأطفال يريدون أن يروا بيتهم مثل كل البيوت مكتمل الأركان وأوّل هذه الأركان وعمود الخيمة هو الأب، لا يمكن أن يحل العم أو الخال مكان الأب أبدا، يحاولون ولكنهم لا يصلون إلى ما يمنحه الأب لابنه، اقتلاع الأب من قلعته والذهاب به بعيدا يضرّ بالأبناء كثيرا وعميقا، هذا معروف ولكن الأكثر غرابة هو هذا المبرّر الواهي الذي اتخذه الاحتلال مبرّرا لهذه الجريمة النكراء.
ثماني سنوات مضت على نائل البرغوثي الذي يدخل عامه الثاني والأربعين ولا يوجد أيّ أفق الآن لوضع حدّ لهذا العدوان بعد أن صمّت محاكمهم آذانها، الأفق الوحيد هو صفقة وفاء الأحرار الثانية بإذن الله. نائل يغدو قدما في العقد السادس من عمره، والذي لم يرزق أبناءً في فترة استراحة المجاهد التي جاءت بين حبستين طويلتين، يعيش على الأمل ليرى امتداده الطيب بولد صالح يدعو له بعد مماته ويحمل اسمه وإرثه العظيم في مقارعة هذا المحتل الغاشم.
هؤلاء الأسرى وغيرهم من المؤبدات والأحكام الغالية وكذلك الذين تجاوزتهم صفقة وفاء الأحرار الأولى يعلقون آمالا كبيرة، يحلّقون في سماء تحليلاتهم الإيجابية، يتنفّسون اليقين والأمل وحسن الظن بالله ثم بإخوانهم المرابطين على الثغور، نبضهم يعلو وينخفض مع كل حدث ويربطونه بمصيرهم المأمول، لا تفتر قلوبهم عن الدعاء ولا يعلّقون الآمال إلا على مقاومة تولي هذا الموضوع حقّه وتبذل من الجهد ما يجعله واقعا بإذن الله.