أنهى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن زيارته إلى الأراضي المحتلة سنة 1948 والضفة الغربية، متجهًا عبر طائرته التي انتقلت من مطار (بن غوريون) الإسرائيلي مباشرةً إلى مطار جدة السعودي، في أول رحلة مباشرة تنطلق من الكيان الإسرائيلي إلى السعودية.
على الفور أعلن متحدث الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس بوتين سيزور طهران يوم 19 تموز (يوليو) الجاري، حيث سيلتقي الرئيسين الإيراني والتركي.
ما أهداف زيارة بايدن وبوتين إلى المنطقة؟ وما فرص النجاح؟ وما أبرز ملامح الخريطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط في المرحلة المقبلة؟ ما الذي يمكن فعله؟
أولًا: أهداف زيارة جو بايدن إلى المنطقة
نستطيع أن نحدد ثلاثة أهداف للزيارة، وهي:
-
الأمن الإقليمي، وأحد أهم متطلباته التكامل بين حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ما يضمن للكيان الإسرائيلي دورًا ومكانة في الترتيبات الجديدة، إذ تطمح الولايات المتحدة بعد إعلان القدس لأن تصل إلى تشكيل ناتو شرق أوسطي ضد إيران وحلفائها.
-
البحث عن بدائل للطاقة مع انعكاسات أزمة الطاقة، مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والسعودية ومعها دول الخليج إضافة إلى دول شرق المتوسط تشكل بديلًا مهمًّا لاستقرار تدفق الغاز إلى أوروبا والولايات المتحدة بديلًا عن الغاز الروسي.
-
من أجل تحقيق الهدفين السابقين لا بد من دفع قطار التطبيع من جديد، والعين على المملكة العربية السعودية، وحتى يتحقق ذلك لابد من تحريك الملف الفلسطيني، وعليه وضعت القضية الفلسطينية على أجندة اللقاء وحازت ساعة كاملة عبر لقاء بايدن عباس، إذ صرح بايدن التزامه بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967م مع تبادل للأراضي، وهذا التصريح الذي رسم ملامح السعادة على بعض أطراف قيادة السلطة يتناقض مع ما شاهده بايدن وهو في طريقه إلى بيت لحم من جدار فصل عنصري، ومستوطنات قضت على حل الدولتين على الأرض.
ثانيًا: أهداف زيارة بوتين إلى المنطقة
قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، الأربعاء 13 تموز (يوليو) 2022: "إن محاولات الرئيس فلاديمير بوتين تعزيز علاقات بلاده مع إيران، مع الحرب بأوكرانيا؛ تمثل تهديدًا كبيرًا".
رد فعل الولايات المتحدة على زيارة بوتين إلى طهران تعكس حجم الحرب الباردة بين البلدين، وأهمية زيارة بوتين التي تتلخص أهم أهدافها في:
-
ترتيب موسكو خريطة تحالفاتها في المنطقة، ما يعزز من وجودها ومكانتها الجيوسياسية، والحفاظ على مصالح أمنها القومي، وحماية حلفائها.
-
تبادل المعلومات والمعرفة في مجالات شتى، لا سيما العسكرية والأمنية، ما يفشل فرص نجاح الولايات المتحدة في تشكيل ناتو عربي في المنطقة، وتوفير بدائل عن الغاز الروسي للولايات المتحدة وأوروبا.
-
البحث في المبادرة الإيرانية لاحتواء الحرب الروسية الأوكرانية، بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى كييف أخيرًا.
-
عقد صفقات عسكرية مع إيران ومن يرغب من الحلفاء تؤهل موسكو لأن تكون حلفًا صادقًا وأمينًا مع من يقف معها ضد الإمبريالية الأمريكية.
في تقديري أن نجاح بايدن في دمج الكيان الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط شكليًا ممكن في هذا التوقيت، ونجاح بوتين في زيارته إلى طهران ممكن في هذا التوقيت، والمشهد في الشرق الأوسط أصبح أكثر سخونة، وكل طرف يعمل على استقطاب أطراف جديدة ضمن محوره، وما يحصل هو مقدمة لزلزال سياسي لا أحد يستطيع تحديد موعده ونتائجه وانعكاساته، ولكنه خطر على شعوب المنطقة، وممكن استبعاده لو أحسن قادة المنطقة العمل والتفكير.
ثالثًا: ملامح الخريطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط في المرحلة المقبلة
المشهد السياسي في المنطقة لم يسكن بعد لنقول إن ثمة محورًا تشكل مواليًا للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة ومستعدًّا للقتال من أجل أهدافهما التوسعية، والدليل على ذلك التقارب السعودي الروسي أخيرًا، والوساطة العراقية بين السعودية ومصر وإيران التي حققت تقدمًا في مسألة تبادل السفراء، وحديث الدبلوماسي الإماراتي يوم الجمعة بأن بلاده لا يمكن أن تكون ضمن حلف موجه ضد إيران، وأن بلاده تعمل على تبادل السفراء.
رابعًا: ما العمل؟
إن الذي يحصل يعكس حالة التخبط التي يعيشها النظام الإقليمي العربي رغم تأثيره الكبير وأهميته ضمن الفواعل السياسية المؤثرة في الخريطة السياسية، وعليه إن إعادة تموضع كل طرف بما يضمن بقائه في سدة الحكم ستؤثر سلبًا في منظومة الأمن القومي العربي.
يا للأسف! تغيب الرؤية العربية الجامعة لبناء تحالف عربي مهمته الأساسية الدفاع عن الأمن القومي العربي مع الحديث عن المجاعات وزيادة أسعار الوقود، والأطماع الإسرائيلية في قيادة المنطقة بديلًا عن الولايات المتحدة التي تستدير باتجاه وسط وجنوب آسيا، وعليه يلعب الطرفان للهيمنة على العالم عبر تقويض النهضة الروسية والصينية، لمصالحهما القومية، والعرب ضمن هذه الرؤية هم كصراف آلي، يا للأسف! فإن الممكن فعله ما يلي:
-
تبني إستراتيجية عربية تهدف إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بالانتقال من النظام الأحادي إلى المتعدد، لأن العرب هم الكاسب الأكبر من تحقيق هذا الهدف.
-
العمل على تحقيق الأمن الغذائي بإرادة وأموال وعقول عربية، عبر نهضة شاملة تستفيد من حالة التناقض والصدام بين روسيا والولايات المتحدة.
-
تفعيل وتعزيز دور الجاليات المناهضة للعنصرية والاحتلال في الولايات المتحدة وأوروبا قوةً مقابل اللوبي اليهودي.
-
مطلوب من الفصائل الفلسطينية توحيد المواقف والجهود لإنهاء الانقسام ومتابعة المشهد السياسي إقليميًّا ودوليًّا واتخاذ القرار الذي يحقق المصلحة الوطنية العليا، فالاستعجال تجاه محور هنا أو هناك سيضر بالقضية الفلسطينية، واستعادة القضية الفلسطينية مكانتها لا يمكن أن يتحقق دون مواجهة شعبية شاملة مع الاحتلال.