فلسطين أون لاين

يصنعون لوحات تحاكي القديمة

تقرير شبان يعيدون إحياء "فن الفسيسفاء" في فلسطين

...
بيت لحم-غزة/ مريم الشوبكي:

شبان وشابات يتوزعون في زوايا مركز بيت لحم للفسيفساء، يرصون قطع الفسيفساء الملونة على طاولات خشبية كبيرة، أحدهم يلتقطها ويقطعها لتناسب الحجم الذي يريده باستخدام قاطعة، وآخر يلصقها بجوار بعضها ليشكل لوحة فنية تنطق بهجة وألوانًا.

حرفة تقليدية

ef383ca8-247e-4426-9b5c-dec3b9e5d4c7.jpg

قبل أن يصبح هذا المكان مركزًا يحيي أهم منتوجات تراث فلسطين الفني المصنوعة من الفسيفساء، كان عبارة عن فرن باسم "سمارة" يقع في شارع النجم والذي يعد أهم شوارع بيت لحم، واليوم أصبح مركزاً يستخدمه الشباب والشابات في إنتاج لوحات فسيفسائية تعد مصدر دخل لهم.

وأُنشئ هذا المركز (الذي يعد فرعًا لجمعية الفسيفساء في أريحا) عام 2018م، بالتعاون مع جمعية حراسة الأراضي المقدسة في بيت لحم وبدعم من محافظة تورونتو الإيطالية.

يبين المساعد الإداري في جمعية الفسيفساء إياد نجوم أن فكرة تأسيس المركز جاءت لأهمية الفسيفساء في التاريخ الفلسطيني تحديدًا في بيت لحم، ولقربها من كنيسة المهد.

ويوضح نجوم لـ"فلسطين" أن المركز يهدف لخلق مكان لشباب وشابات بيت لحم لممارسة حرفة فن الفسيفساء التي تعد من الحرف التقليدية الفلسطينية التي ساهمت في تشكيل هويتنا.

ويشير إلى أنه من خلال الفسيفساء يتم معرفة الأحداث التاريخية؛ لأن الفلسطينيين قديمًا كانوا يستخدمون الفسيفساء في التعبير عن نشاطاتهم اليومية، أو بناء مدينة أو الدخول في حرب.

ويلفت نجوم إلى أن فن الفسيفساء برز في الفترة البيزنطية بصورة كبيرة لتجسيد التصاوير المسيحية.

تم تأسيس الجمعية الأم وهي مركز الفسيفساء في أريحا عام 2002م، ليكون أول مدرسة لتعليم فن الفسيفساء في فلسطين، بعدما تلقى عدد من الشبان والشابات دورة في فن الفسيفساء على يد خبراء إيطاليين لمدة ثلاث سنوات، فأرادوا حفظ هذه المهارات وتنميتها والاستفادة منها من خلال جمعية.

ويلفت نجوم إلى أن الجمعية تنتج مشغولات من الفسيفساء وفق الأساليب التقليدية باستخدام الحجارة، والزجاج، وقطع السراميك.

وينبه إلى أنه تم الاستعانة بالمتدربين الذين أصبحوا محترفين في ترميم الفسيفساء في عدة كنائس داخل فلسطين وخارجها.

ويذكر نجوم أن الجمعية تضم اليوم 25 مرمم فسيفساء، انبثق عنها مركزان ينتجان الفسيفساء أحدهما في بيت الضيافة في سبسطية، والآخر في "بيت الضيافة" في قرية "نصف جبيل" قضاء نابلس، ويقومون أيضًا بالرسم على السيراميك التقليدي.

تراث فلسطيني

e0f45ff3-b20f-449a-ab3e-4ee275e0ba76.jpg

ويشير نجوم إلى أن العاملين في المركز ينتجون لوحات تحاكي اللوحات الأصلية حيث تم نسخ فسيفساء قبة الصخرة، وإقامة عدة معارض في فلسطين، للفسيفساء البيزنطية والرومانية.

ويذكر أنه تم عقد مئات الورش لتعليم "فن الفسيفساء" للهواة، والعائلات، والمحررين، ونزلاء مراكز الإصلاح في الضفة للرجال والسيدات، وأصبحت مصدر دخل لهم.

ويقول نجوم: "نلاحظ تغيّر نظرة مجتمعنا لفن الفسيفساء بعد أن كان حكرًا على الدول الغربية، ليصبح خزانًا للهوية والتراث الفلسطيني".

ويضيف: "فن الفسيفساء من المهن الصعبة التي تحتاج إلى صبر وتركيز، بدءًا من تجهيز الحجارة والتي يتم جلبها من الصخور الطبيعية المنتشرة في جبال فلسطين، وتحتاج إلى ذوق في الاختيار وتنسيق الألوان، والمتر المربع الواحد في اللوحة يحتاج إلى 20 يومًا من العمل".

ويتابع: "كان قديمًا مَنْ يرعى الفسيفساء هي الدولة وليس الأشخاص، حيث كانت توجد في القصور والكنائس لأنها مكلفة ماديًّا".

وينفذ المركز أعمالًا تدريبية لطلبة الجامعات، ورعاية حفريات أثرية، فهو منفتح على كل المؤسسات الفلسطينية من أجل ترميم أكبر عدد ممكن من أرضيات الفسيفساء في الوطن، "فمن أهدافنا نقل فن الفسيفساء للأجيال القادمة لكيلا تندثر، وتنشيط حركة السياحة في فلسطين"، وفق نجوم.

ويختم بقوله: "الفسيفساء هي وسيلة تواصل، ولغة حوار من خلالها نستطيع التواصل مع دول حوض المتوسط المشهورة بهذا الفن".

وتعتبر حرفة الفسيفساء من أقدم الحرف في فلسطين ويتخطى تاريخ نشأتها حرف خشب الزيتون والصدف التي علمها الآباء الفرنسيسكان لأهل مدينة بيت لحم قبل مئات السنين.


2a82cea5-85db-413e-a736-737274a32ed6.jpg