بالبهجة الباهتة وبالفرحة المنقوصة وبالأسرى الأعزاء الغائبين عن ذويهم وأحبابهم انقضت أيام العيد، الذي لم يكن له معنى ولا طعم ولا لون في حضرة غيابهم. حياة ذويهم وعائلاتهم لا شيء فيها مُكتمل؛ نظرًا لأن أركان وزوايا بيوت ذوي الأسرى والأسيرات الفلسطينيين القابعين خلف القضبان الصهيونية ساكنة وصامتة خالية من وجودهم داخلها.
وقد تبدو الأماكن كلها مع غياب الأسرى والأسيرات عن ذويهم وأحبابهم مُظلمة لا معالم للفرح ولا أجواء للسرور تعتريها سوى بضع من الزائرين المُهنئين من شرائح المجتمع المختلفة، والتي تأتي لمؤازرة ذوي الأسرى وتذكيرهم بأنهم ليسوا وحدهم، وأبناءهم ليسوا أرقامًا بل حياتهم أغلى ثمن. تمضي الأيام على ذوي الأسرى ثقالًا شدادًا مُصطحبة معها ذكريات جميلة لِلحظات سارّة معدودة ومشهودة في عمر الأمنيات والأحلام التي وقفت تنتظر معهم على أعتاب الحلم بالحرية والانعتاق والتحرر من سجون العدو الصهيوني.
اللحظات والذكريات التي سادت في الماضي ولا تزال حاضرة داخل أروقة عائلات آلاف الأسرى الفلسطينيين اختطفتها يد الحقد الصهيوني، والتي أبت وتعمّدت إلا أن تنغِّص عليهم فرحتهم باستقبال أعيادهم دون أبنائهم الأسرى والذين حُرموا احتضانهم والعيش معهم لِسنواتٍ طوال، وقد غيّبتهم الزنازين عن مشاركة ذويهم المناسبات السعيدة والأعياد الدينية، فلا استعداد لاستقبالها بشوق ولهفة أو انتظار وترقب باستثناء العيد المُنتظر في مُخيلتهم وهو عيد تحرير أسراهم وأسيراتهم من سجون الاحتلال وعودتهم لبيوتهم وذويهم سالمين غانمين، هذا هو يوم عيدهم الذي يحلمون به ويعدّون الساعات والثواني لأجل قدومه خاصة الأسرى المحكوم عليهم بالمؤبدات.
لذلك تمر الأعياد والمناسبات الدينية على ذوي الأسرى الفلسطينيين بطعمٍ مُختلف ولونٍ ممزوج بالألم ورائحة الغياب عن أجواء وطقوس الأعياد وزينتها وبهجتها التي استقبلها جموع الملايين من المسلمين حول العالم بسرورٍ يغمر أفئدتهم لوجود أحبابهم وذويهم حولهم يقضون معهم وبصحبتهم أجمل اللحظات السعيدة ويتبادلون الزيارات الاجتماعية والتهاني والتبريكات إلا في بلادنا فلسطين المحتلة.
هي الصورة الغائبة عن بيوت ذوي الأسرى وعائلاتهم، فتجد السكون يُخيم على جدران منزلهم والألم ونار الاشتياق تغزو ذاكرتهم منذ سنوات طويلة، ولا سيّما ونحن نتحدّث حتى نهاية يونيو الماضي عن 4650 أسيرًا معتقلًا في سجون الاحتلال الصهيوني من بينهم 30 أسيرة و180 قاصرًا ونحو 650 معتقلًا إداريًا ومئات الأسرى المرضى منهم 23 أسيرًا مصابون بالأورام والسرطان بدرجات متفاوتة أصعبها حالة الأسير ناصر أبو حميد المصاب بسرطان الرئة ويُعاني الإهمال الطبي والحرمان من العلاج والرعاية الصحية الكاملة.
وهذا جزء مما صدر عن مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان التي يقع على عاتقها دور كبير في الضغط على سلطات الاحتلال الصهيوني للإفراج عن الأسرى المرضى والسماح لعائلات الأسرى بزيارة أبنائهم وعدم حرمانهم من احتياجاتهم ومتطلبات حياتهم الأساسية، ومما لا شك فيه تعمُّد السَّجان الصهيوني حرمانَ الأسرى أبسطَ حقوقهم من خلال استخدام سياسة العقاب الجماعي ليس بحقِّ الأسرى فقط بل يطال العقاب ذويهم وعائلاتهم في خرقٍ واضح للقانون الدولي والذي يعطي حسب اتفاقياته الحق في الاتصال والتواصل الإنساني واستقبال الأسرى لأقربائهم على فترات منتظمة، وهذا ما نصّت عليه المادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة، لكن مع ذلك تُمعن قوات الاحتلال الصهيوني في استخدام سياسة العقاب الجماعي بحقّ الأسرى الفلسطينيين وذويهم.
وتبقى عذابات ومعاناة الأسرى الفلسطينيين شاهدة على جرائم الاحتلال الصهيوني بحقِّهم إلى أن تُبيّض السجون والمعتقلات الصهيونية من الأسرى والأسيرات كافة، وهذا ما وعدت به المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسّام التي تحتفظ بـ 4 أسرى صهاينة تسعى جاهدة لتحريك المياه الراكدة في قضية الأسرى وحتى تتمكن من مُبادلة أسرى فلسطينيين بهم يدفع الاحتلال الصهيوني الثمن مقابل الإفراج عنهم في صفقة وفاء أحرار 2، والتي بدأت تلوح في الأفق حيثيات تُدلل على اقترابها، وهذا ما يتمناه الأسرى وذووهم؛ الإفراج عن جميع أبنائهم والاحتفال بعيد تحريرهم، وما ذلك على الله بعزيز.