لا بد أن الصحافة الإسرائيلية كما اعتدنا أنها ترصد خطابات قادة المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة.
وما يُصرح به القادة تبني عليه (إسرائيل) وتقرأ ما بين سطوره وخصوصا عندما يتعمد قادتنا إيصال رسالة ما للقيادة الإسرائيلية. في المهرجان “الحمساوي” الذي أقيم في عاصمة المقاومة صيدا منذ أيام عدة ترحيبا برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي أتى إلى بلده الثاني بين أهله ومُحبيه، كان العنوان للمهرجان الحاشد مقتبس من آية قرآنية "ونراه قريبا".
من الطبيعي أن يركز الإعلام العبري ويتعمق بمعانيها.. وقد شدد عليها في خطابه القائد الكنعاني هنية "إننا نراه قريبا" وفهم الصهاينة فصل الخطاب بأن رحيلهم اقترب من فلسطين الحبيبة، وكيف لا؟ وقد أتوا بكل محلل سياسي وصحفي!
شاهدت بأم العين كيف احتضن الشعب الفلسطيني المقاوم في لبنان قائده، فلحظة وصوله رفرفت الأعلام الخضراء القسامية وأسمعته الجماهير هتافاتها بأنها مستعدة أن تفتديه بأرواحها وكل كنعاني يتمتع بعزة النفس والكرامة ويملك من الشجاعة والتحدي ما يدفعه إلى عبور الحدود اللبنانية- الفلسطينية سيرا على الأقدام إن أُتيحت له الفرصة ليقبل أرضه المقدسة.
إن العنفوان الكنعاني متجذر في نفس كل فلسطيني، فحضارة أجدادهم بني كنعان وصلابتهم تشهد على أنهم قوم ذوو إرادة صلبة وتاريخ مُشرف، فنشاهد شبابهم في عمر الورد يواجهون المحتل الإسرائيلي وينفذون العمليات البطولية في قلب (تل أبيب)!
لا بل في تل الربيع، اسمها كما ردد الرئيس إسماعيل هنية.
إن الوفاء تجاه لبنان وشعبه تجلى في أجمل العبارات التي قالها الرئيس هنية من منبر الحرية:
” لبنان توأم الروح.. شقيق الشعب الفلسطيني لبنان العروبة.. ولبنان المقاومة، الذي احتضن الجرح الفلسطيني”.
وأضاف: ”نحن المشرعون لسيف القدس ولأمل القدس. ونراه قريبا”.
هذا ليس شعارًا، هذه آية من القرآن الكريم. "نراه قريبا" لأننا في عصر الانتصارات، عصر التحولات التي يصنعها الشعب الفلسطيني”. وهو ما يؤمن به كل عربي شريف.. وحر.. وأصيل.. صادق بحبه ودعمه للمقاومة في غزة.
عندما تسمعه من كثب يرتجل خطابه لأكثر من ساعة، لا أوراق ولا شاشة أمامه يتابعها ليقرأ… تُعجب أكثر بذكاء ومرونة هذا القائد المناضل المتحدث اللبق.. فكلامه نابع من صميم القلب.. هو لا يبيع الشعارات… الصدق في “رنة” صوته.
الحنين في عيونه الحالمة، أجل إنه كذلك، رأيته بأم العين، وأحسست به بالفؤاد.
لا يمكن أن تخطئ بوصلة العيون والقلوب عندما تحدّث عن غزة العزة، ولكأن الشوق تملكه.. وعادت به الذكريات إلى شواطئ غزة وبحرها وورودها وفجرها فكان لا بد أن تسمع كلماته بقلبك لا بعقلك.
”أنا ابن مخيم وأتشرف بذلك. هذه غزة التي تقع على حدود جنوب فلسطين المحاصرة براً وبحراً وجواً منذ 15 سنة خاضت الحروب والمعارك، هي اليوم بمقاومتها بأهلها بقسامها بفصائلها المقاومة تتجهز لمعركة إستراتيجية مع العدو الإسرائيلي”.
أما اللحظة التي ذكر فيها عن معاناة شعبه داخل المخيمات في لبنان. قال بحزن مقاوم: ”شرف لنا ولقادة الحركة أن نسير في شوارعكم عندما دخلت إلى “عين الحلوة” رُدت إليّ روحي”.
ما أعظم هذه العبارات من قائد أذل جناحه العسكري ”جيش النخبة”!!
وفرض “قسامه” معادلات الردع! فهرول الصهاينة من جراء صواريخ عسكره إلى الملاجئ!
نجده في لحظات صدق واشتياق لشعبه يتألم لمعاناتهم وهم من يفتدونه بأرواحهم، ولكأني تخيلت أن الدمع ترقرق في العيون الحالمة عندما قال: “هذا الشعب يجدد العهد، إننا باقون ما بقي الزعتر والزيتون باقون رغم التهجير واللجوء باقون”.
ليتني أستطيع أن أتطرق في مقالي لكل كلمة قالها الرئيس إسماعيل هنية.. فعندما تستمع إلى من تُؤمن بهم وبقضيتهم وبنضالهم. لا حاجة لك إلى النصوص الصحفية التي تُوزع فأنت تسمعهم برجفة قلبك، حسبك أنك تُدون كل حرف وعبارة وتحميها بحبر قلمك بين الأوراق الدافئة. مخ قلمنا للكتابة عن الأبطال. لن تُسعفك المحطات والصحف والإذاعات لتلامس كلماتهم شغاف القلوب.
بل إن خطاباتهم تستوطن قلبك ووعيك فتكتب بمزيج من العقل والعاطفة كما كتبت أنا!!
فتحية وسلام وكل الأمن والأمان لمن توجه إلى شعبه بالقول:
”نحن طلاب عزة وكرامة. وطن حر لشعب حر وعلى طريق الحرية جاهزون للشهادة. جهزوا أنفسكم أيها الشعب الأبي، باتت العودة قريبة” وعلى أمل لقائي الثاني بالقائد الكنعاني هنية: ”ناطرينك”.