نشأت المقدسيتان رحيق أبو عفيفة وندين أبو خلف (23 عاما) في بلدة بيت حنينا شمالي القدس المحتلة، وأرادتا بعد 5 سنوات من دراسة "التخطيط الفراغي والتصميم الحضري" في جامعة بير زيت أن يبحث مشروع تخرجهما في "تعزيز الوجود الفلسطيني في القدس" وخاصة ببلدتي بيت حنينا وشعفاط المتجاورتين.
وبعد عرضهما المشروع في 22 يونيو/حزيران الماضي، تحدثت الطالبتان "للجزيرة نت" حول نيتهما المسبقة اختيار موضوع بحث يخدم القدس. فقالت رحيق "أردنا أن يرتبط المشروع بالوطن؛ فكل حياتنا ودراستنا من أجله، ثم بحثنا عن موقع لتطبيق الاستدامة المجتمعية، مع إمكانية التدخل هندسيا وخرائطيا، فوقع الاختيار في النهاية على شعفاط وبيت حنينا في القدس".
سنوات من العزل
وقد ارتبطت بلدتا شعفاط وبيت حنينا جغرافيا منذ القدم، ووثّق ذلك شارع رئيسي يمر بينهما. لكن الاحتلال الإسرائيلي صادر منذ عام 1967 وحتى اليوم مساحات واسعة من أراضيهما، وبنى عدة مستوطنات عليها (أبرزها بسغات زئيف والنبي يعقوب)، ومزقهما بجدار الفصل العنصري الذي فصل "مخيم شعفاط" و"بيت حنينا البلد"، بالإضافة إلى سكة القطار الخفيف التي اخترقت شعفاط.
وقلّصت إجراءات الاحتلال مساحة البلدتين وعزلت سكانهما، وفاقم من هذا الواقع سياسة هدم البيوت ومنع تراخيص البناء، وإنشاء الشوارع الالتفافية لخدمة المستوطنين.
وتعمّد سكان المستوطنات المحيطة إيذاء المقدسيين وإرهابهم، كما حدث في يوليو/تموز عام 2014، عندما حرق المستوطنون الطفل الشهيد محمد أبو خضير (16 عاما) حيا، بعد خطفه من أمام مسجد في بلدة شعفاط.
ونزلت رحيق وندين إلى شوارع المنطقتين، وعاينتا عبر الخرائط والمراجع المكتوبة حالهما، إلى جانب استطلاع آراء السكان، الذين أجمعوا على حاجتهم إلى فضاء اجتماعي يمنح متنفسا لهم ولأبنائهم بعيدا عن الشوارع السريعة الرئيسية والفرعية غير المؤهلة. كما استندت الطالبتان على تجربتهما الشخصية في العيش هناك.
إحياء التواصل وتقوية البلدتين حضاريا
تقول ندين، إن مرحلة البحث بلورت لديهما هدف المشروع، وهو إحياء التواصل الاجتماعي بين البلدتين ليلا ونهارا، وتطوير الحياة الاجتماعية في شعفاط، وتعزيزها في بيت حنينا التي تفوقت قليلا على جارتها في هذه الناحية، بالإضافة إلى تعزيز الوجود الفلسطيني فيهما، وإرجاع بعض الأمان المفقود جراء اعتداءات المستوطنين، ووجود قوات الاحتلال الدائم على أطراف المستوطنات وسكة القطار.
وتحدثت رحيق عن أهداف أخرى للمشروع منها تقوية البلدتين ككتلة واحدة في وجه المستوطنات، واستجلاب مقدسيين جدد إليهما للسكن أو الزيارة، والحفاظ على الطابع الفلسطيني في ظل محاولة بلدية الاحتلال إضفاء طابع معماري وحضاري دخيل. إلى جانب تقوية المراكز التجارية المقدسية في مواجهة مراكز إسرائيلية منافسة مجاورة.
مشاريع مكملة وأخرى لإحياء نقاط التماس
وقد عرضت المهندستان الصاعدتان في مشروعهما مخططات 8 مشاريع لتحقيق هدف البحث، وصُممت هذه عمليا في خرائط هندسية مفصلة قابلة للتطبيق، موزعة بين الشوارع الرئيسية والفرعية، مع الحرص على إضفاء طابع وطني وزراعي، بعضها حديث يبدأ من الصفر والآخر مكمل معزز لمشروع قائم أصلا.
وحرصت المشاريع -وفق ندين- على مراعاة عدة عوامل منها توفير مواقف للمركبات، ومرافق وخدمات متعددة مثل المطاعم والمقاهي، وأماكن للجلوس، ومساحات للرياضة واللعب، وضمان وصول المواصلات العامة إلى الشوارع الفرعية، وتخصيص شوارع حضرية آمنة للمشاة وراكبي الدراجات، بالإضافة إلى إعادة تأهيل الشوارع الواصلة بين كافة المشاريع، وتصميم مسار موحّد تجانبه المساحات الخضراء والأشجار.
وأشارت رحيق إلى تعمدهما إنشاء بعض المشاريع في نقاط التماس مع الاحتلال، التي يتجنبها السكان نهارا ويهجرونها ليلا، وذلك لأن المشاريع المجتمعية الترفيهية تساهم في إحيائها وتطمئن السكان عند ارتيادها، وتبقيها عامرة خشية استفراد الاحتلال ومستوطنيه بهم، مع مراعاة إقامتها في مكان مرتفع مُطل يزيد الشعور بالأمان.
اهتمام بالزراعة والثقافة
وأبرز ما تضمنته المشاريع المصممة، إقامة حديقة عامة (يوجد في البلدتين حاليا حديقة واحدة فقط)، ومنتزهات فرعية بجانب الأحياء السكنية، وإسناد المشاريع القائمة بمرافق داعمة لها كأماكن الجلوس وأكشاك الطعام، إلى جانب إنشاء ملعب رياضي على أرض فارغة قريبة من تجمعات المدارس، واستغلال أرض كبيرة لزراعتها.
وقد بدا اهتمام الطالبتين بالزراعة جليا، وترجع ندين سبب ذلك إلى امتهان سكان البلدتين للفلاحة سابقا، وتوفر مساحات خصبة حتى اليوم، وهذا ما دفعهما لتخطيط مشروع زراعي قرب منطقة قصر الملك حسين في بيت حنينا، يقوم على تمكين الزائرين من الزراعة والقطف، وتعريف أبنائهم بمهنة أجدادهم، مع التركيز على زراعة فاكهة المشمش التي تشتهر بها البلدة.
وإحياءً للبلدة القديمة المهجورة في شعفاط، خططت الطالبتان لمشروع من بضع دونمات حول المباني القديمة، يحوي مركزا ثقافيا تراثيا لفئة الشباب يذكرهم بتاريخهم، ويتلقون فيه دورات في الفنون التراثية كالتطريز والزخرفة والدبكة.
خطوة على الطريق
وعن إمكانية تطبيق المشاريع، تقول رحيق إنها يسيرة نظريا وعسيرة عمليا، بسبب تصنيف بلدية الاحتلال بعض الأراضي على أنها أراضٍ خضراء يمنع البناء عليها، وإنشاء أي مشروع حديث فوقها لا يتم إلا عبر التعاون مع هذه البلدية، وسط مخاوف من العرقلة، وإمكانية استيلاء الاحتلال عليها. بينما تقع الأراضي الأخرى ضمن الملكية الخاصة ويحتاج شراؤها إلى ميزانيات كبيرة.
وتعي الطالبتان صعوبة مهمتهما في القدس المحتلة، لكنهما قررتا خطوتهما الأولى على أمل التطبيق يوما ما، وآثرتا عرض حلول عملية هندسية للواقع في المدينة، بعيدا عن جو الإحباط الذي يشيعه الاحتلال في أوساط الشباب والخريجين وأهالي المدينة وأحيائها.