حين مرّ عمر بن الخطاب أمير المؤمنين برجل يهودي كبير السن يتسوَّل، قال: ما أنصفناك إذ أخذنا منك الجزية قويًّا وتركناك تتسول وأنت ضعيف، وأمر بفرض عطاء له من بيت المال حتى الممات، وبهذا سنّ ابن الخطاب رحمه الله قانون حماية الدولة للضعفاء وكبار السن ورعايتهم حتى يحميهم من ذل السؤال، وإراقة ماء الوجهة، ويحفظ لهم كرامتهم.
قانون رعاية الضعيف مسلمًا كان أم ذميًّا، رجلًا كان أم امرأة من قوانين الدولة الإسلامية، سبقت به ما أقرته الدولة الحديثة في باب الشؤون الاجتماعية، وباب التقاعد من الوظيفة العمومية، وهو قانون يشمل الموظف، وغير الموظف، ومن غاياته إشباع جوعة المواطنين، ومنع التسول، إذ لا يصح التسول في بلاد المسلمين، وحفظ كرامة الإنسان من ذل السؤال وثقل الحاجة.
ما استدعى هذه المقدمة التأصيلية هو تظاهر المنتفعين من الشؤون الاجتماعية في الطرقات احتجاجًا على الجهات المسؤولة لأنهم لم يتلقوا مخصصاتهم منذ سنة ونصف تقريبًا. وهنا نسأل جهات الاختصاص فنقول أيعقل ترك هذه الشريحة الضعيفة والفقيرة عامًا ونصف العام بلا مساعدات تعينهم على مشاق الحياة، وتسد جوعهم؟! ما المبرر الموضوعي لوقف هذه الرعاية عامًا ونصف العام؟! ألا يوجد عند جهات الاختصاص مال لصرف هذه المستحقات القليلة لهذه الشريحة الضعيفة؟! كيف يوجد مال لكبار الموظفين، ورجال الأمن، ولا يوجد مال لأصحاب الشؤون الاجتماعية؟!
حجة عدم توفر المال حجة غير مقنعة، والأكثر إقناعًا أن السلطة لا تولي هذه الشريحة رعاية كريمة، بما يتناسب مع التشريعات الكريمة التي أقرها الإسلام، وحاكتها القوانين الحديثة في الدولة الحديثة التي تحترم مواطنيها.
المشكلة الأساسية في هذه القضية أن جهات الاختصاص، وأصحاب القرار لا يحترمون المواطنين بما فيه الكفاية، ولا يقومون بواجباتهم إزاء هذه الشريحة الضعيفة، وهي جهات لا تجتهد في رعاية هذه الشريحة، بل تتخذ منها أداة للتكسب من الدول المانحة، ومن ثمة قد تكون جهات الاختصاص جزءًا من المشكلة لا جزءًا من الحلّ، لذا خرج أفراد هذه الشريحة الاجتماعية الفقيرة للتظاهر لإسماع صوتهم للعالم، وللدول المانحة، ولجهات الاختصاص التي لم تبدِ مسؤولية جيدة نحوهم.
إن من يحرم هذه الشريحة الضعيفة من مخصصاتها القليلة البسيطة، هو من يشجع الأفراد على التسوُّل، وهو من يريق كرامة الإنسان، بل وكرامة المجتمع الذي يعيش فيه، حيث يعيش هو شبعان، وجاره جائع، ويحتج جهلا بعدم توفر الأموال للشئون الاجتماعية.