داخل أروقة السلطة الفتحاوية وخلف الكواليس السياسية المُغلقة، بعيدًا عن أعين الرأي العام في قلب مقر المقاطعة بمدينة رام الله، حيث يمكثُ المُقرَّبون من محمود عباس، يُجهِّزون للمرحلة التي تخلفه، يُسابقون بها الزمن، ويتأهبون لأجلها الخطى، ويتنافسون صِراعًا على استحواذ مكانه بِشراسة، كونه منصب رئيس ورئيسي، إنّهم ينتظرون اللحظة الفارقة والحاسمة في تاريخ القضية الفلسطينية للإعلان الرسمي الأخير عن نهاية حقبة الرئيس محمود عباس وتوقفه بشكلٍ كامل عن أداء وممارسة مهامه في المناصب التي شغلها طيلة اعتلائه سُدَّة الرئاسة تحت اسم دولة فلسطين، ولِمدَّة تجاوزت 16عام ذهبت هدرًا من عمر القضية الفلسطينية وعلى حساب مُقدَّساتها وشعبها الذي دفع الثمن لأجل بقاء عباس مهُيمنًا على الكرسي ومُتفرِّدًا بالقرار السياسي الفلسطيني منذ انتخابه رئيسًا عام 2005 وحتى بعد مرور 4 سنوات على ولايته السلطة والتي انتهت في 9 يناير عام 2009 حسب الدستور الفلسطيني، ليصبح بذلك ثاني رئيس للسلطة الفلسطينية بعد الراحل ياسر عرفات وبقي في منصبه منذ توقيع إتفاقية أوسلو حتى هذا العام 2022 !
تلك الحقبة الزمنية السياسية التي ترأسها محمود عباس حملت معها ميلادا عسيرا مرَّت بتبعاته فلسطين وثوابتها المُقدّسة بدءًا من المشاركة في عملية وأد القضية الفلسطينية وضياعها عبر توقيع إتفاقية أوسلو عام 1993 وما نتج عنها من تداعيات أضرّت بالمكونات الفلسطينية، وصولًا إلى يومنا هذا الذي نشهد فيه أزمات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية مُتفاقمة تمر بها الحالة الفلسطينية الراهنة
إشاعة الإعلان عن موت الرئيس محمود عباس عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة مفاده تهيئة الرأي العام لنبأ وفاته بصورة رسمية، و على ما يبدو بأنّ ورثته في مقر المقاطعة حسين الشيخ وماجد فرج ونائب الرئيس محمود العالول يستعدون للحظة الإعلان والتي سيتم الإفصاح عنها خلال البث عبر مواقع السلطة الرسمية لتنطلق أولى الترتيبات بالإعلان عن الحداد وتنكيس الأعلام كما هو مُتعارف في أنظمة الدول؛ وذلك إظهارًا لمشاعر التباكي والحزن على رحيله، وهذا مُتوقع بالنسبة لقادة ورموز السلطة الفتحاوية
أما عموم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والذي سئم من عباس وحكمه فالأمر بالنسبة إليهم محط اهتمام وترقّب لمن سيأتي ويتصدّر المشهد السياسي بعد رحيله، خاصة مع عدم قبول أبناء الشعب الفلسطيني لحسين الشيخ رجل إسرائيل الأول وماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة في الضفة الغربية المحتلة، ولربَّما سيعُم الرضا بالخلاص من عباس مع الحذر الفلسطيني لما هو قادم، ومتوقع بأن تسود فوضى عارمة واقتتال وصراع داخلي يترتب عليه نشر قوات الأمن والشرطة في الشوارع وأمام مقرات السلطة منعًا لثورة الشارع الفلسطيني وانفجاره في وجه الأجهزة الأمنية التابعة لحركة فتح والتي تُحكم قبضتها وسيطرتها على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في المقابل تقوم بعملية التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني.
تُشير المعطيات على أرض الواقع بأنّ رحيل محمود عباس سيخلق واقعًا جديدًا للقضية الفلسطينية ومكوناتها سواء إيجابًا أم سلبيًّا بالانقسامات التي تشهدها حركة فتح داخليًا من خلال التناحر على المنصب بين جماعة حسين الشيخ وفئة مروان البرغوثي وجماعة ناصر القدوة وتيار محمد دحلان إضافة إلى جبريل الرجوب، هذا التناحر والصراع سيستمر حتى مرور الفترة الانتقالية وذلك؛ استعدادًا لتسلُّم الشخص المُنتظر قدومه منصب فخامة السيد الرئيس ؟! وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية و انتخابات مجلس وطني وانتخابات تشريعية تُنهي حالة التفرد القائمة وتُعيد ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي على أساس مشاركة الكل الوطني الفلسطيني
وفيما يتعلق بالمؤسسات الفلسطينية، فقد بات من الواضح بأنها تشهد حالة من الإقصاء والتفرد والهيمنة عليها من قِبل سلطة محمود عباس لفترة طويلة تعثرت معها آلية الإصلاح للمنظومة الفلسطينية يُضاف إليها بشكل أساسي تجديد الشرعيات السياسية لذلك يجب على الفصائل الفلسطينية ذات الثقل الوطني كحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية أن تقوم بتشكيل تحالف وطني تقول من خلاله كلمتها أمام الشعب الفلسطيني وترفع الغطاء عن الشخصيات التي تُجهز نفسها بديلا لرئيس السلطة ورئيس المنظمة ورئيس المجلس المركزي.
ومن الجدير ذكره بأنّ هذه المناصب اجتمعت معًا في سلة واحدة استولى عليها محمود عباس، وعليه قد آن الاوان ورُفع القلم وحان وقت تسليمها رُغمًا عنه وليس بإرادته خاصةً مع الأنباء التي تحدّثت عن تردي وضعه الصحي بشكلٍ غير مسبوق ومكوثه داخل المستشفى الاستشاري برام الله لتلقي العلاج ولم تقف تلك الأنباء عند هذا الحد بل أُشيع من داخل تيار حركة فتح خبر وفاة محمود عباس، وهذا ما تم نفيه فيما بعد والتعقيب عليه من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ بأنّه عارٍ عن الصحة والادِّعاء بأن الرئيس يتمتع بصحة جيدة!! وهنا يُطرح تساؤل كيف لعاقل أن يُصدِّق بأنَّ الرئيس عباس يتمتع بصحة جيدة وعمره تجاوز 85 عامًا ويعاني من أمراض؟! وسبق أن خضع لعلاج صحي مكثف مع إجراء فحوصات طبية داخل مستشفيات فلسطين وخارجها .
ومن اللافت للانتباه، ظهوره عبر الإعلام قد انخفض بنسبة كبيرة وقلّت مشاركته في المناسبات الوطنية وهذا ما دعا المُحيطين به من رموز السلطة إلى نشر مقطع صوتي يؤكد بأنه على قيد الحياة وبعده بفترة وجيزة وسط تضارب الأنباء تم نشر مقطع فيديو أثار علامات استفهام وشكوك حول دقته وجودته لدرجة بات الكثيرين يقولون حينما نُشر المبالغة في النفي إثبات وأين الرئيس!!
ويبقى التساؤل مطروح لدى الرأي العام إلى أن يتم الإعلان النهائي عن وفاة عباس، من سيخلفه؟! وحينها ستُجيب عنه المراحل المقبلة.