في حين يواصل جيش الاحتلال مناوراته الأضخم "عربات النار"، تحضيرا لمواجهة واسعة النطاق، لا أحد يعلم أين ستكون ساحتها المرتقبة، فإن ما يشغل قادته الاستراتيجيين يتمثل بكيفية الوصول مع "العدو" إلى حالة من الردع والحسم، اللذين يحافظان على هدوء أمني يمتد عشر سنوات على الأقل، رغم أنه تحقق في بعض هذه الساحات، ولم يتحقق في سواها؛ ما يجعلها معضلة لدى دوائر صنع القرار في الجيش الذي كان لا يقهر!
ربما تكون الإجابة الفورية باستهداف القوة العسكرية "للعدو"، من خلال إبادة وتدمير عدد كبير من منصات إطلاق الصواريخ، وتفكيك خلاياه التنظيمية الفاعلة، والوصول معه لمرحلة الحسم النهائي المتمثلة بضرب مواقعه الإستراتيجية مباشرة، دون أن يتحقق الهدف المرجو منها.
مع العلم أن مواجهة دول نظامية بعينها يسهل الطريق أمام (تل أبيب) في استهداف مواقعها الحيوية، ومؤسساتها السلطوية، وبناها التحتية، ومستودعاتها الاقتصادية، وغيرها، لكن عند الحديث عن تنظيمات غير دولانية، وأجسام سياسية غير نظامية، يصبح الحديث عن استهداف تلك المواقع الإستراتيجية بحاجة لنقاش مستفيض.
الحديث يدور عن منظمات لا تملك مواقع سياسية بذاتها، فهي ليست دولا قائمة، رغم أن بعضها لديه مؤسسات سلطوية أو مقرات حكومية، لكن ربما يبدو مبكراً أن نطلق عليها صفة "الإستراتيجية"، لأن مركز ثقلها يقع أساساً في قلب التجمعات السكانية التي تقدم لهم الدعم والتأييد والتعاطف.
بصورة أكثر تركيزا، ففي حالة المقاومة الفلسطينية يمكن النظر لمخيمات اللاجئين في قلب قطاع غزة على أنها حاضنتها الشعبية بالدرجة الأولى، وفي حالة حزب الله، فإن الجنوب اللبناني، ووسط وشمال مناطق البقاع، والأحياء الجنوبية في بيروت، يتم استخدامها بصورة تقليدية كمناطق محصورة بنشطائه، مما يجعل احتلال هذه المناطق بأكملها في غزة ولبنان، جزئياً أو كاملاً، مساً خطيراً واستهدافاً قاسياً وضرراً استراتيجياً لهما، لكن السؤال يتعلق بمدى توفر مثل هذا القرار الإسرائيلي في ضوء المخاوف من الخسائر البشرية المتوقعة في صفوف الجيش!
في الوقت ذاته، فإن الاستهداف الإسرائيلي لمثل هذه المواقع لن يؤثر مباشرة في تقليص أو وقف إطلاق القذائف الصاروخية على الجبهة الداخلية للاحتلال، ولا سيما خلال مجريات الحرب، وهنا يبدو من الجدير التذكير بأن النظرية الأمنية الإسرائيلية التي تطالب بالوصول لمرحلة الحسم مع المقاومة، وتحديث صيغة الردع، أصابها كثير من الأعطاب في المواجهات الأخيرة.
لا تبدو مسألة الحسم الإسرائيلي مع قوى المقاومة في متناول اليد، رغم ما جيشت لها المؤسسة العسكرية من إمكانيات وقدرات كبيرة، لكن ذلك لا يلغي فرضية أن يستبدلها الاحتلال بكثافة نارية عشوائية، قد تعوض إخفاقه المتوقع، دون أن تمنحه بالضرورة ما يسعى إليه من ردع يتبدد مع مرور الوقت!