لم تستطع القيادة المتنفّذة للسلطة عقد اجتماعٍ في شهر رمضان لبحث اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى والمرابطين فيه، ليتجدد العجز السياسي الذي تمرُّ به في غيابها عن المشهد المؤثر للتصدي لما تُسمّى "مسيرة الأعلام" الاستيطانية أمس رغم خطورة الحدث.
ورغم أنّ السلطة وحركة فتح تقولان: إنّ المقاومة الشعبية الأداة الأساسية في التصدي للاحتلال، إلا أنها لم تفعل هذه الأداة في التصدي "لمسيرة الأعلام" وهو ما فسره مراقبون لصحيفة "فلسطين" على أنّ السلطة لا تريد تصاعد الأوضاع، خشية إغضاب حكومة الاحتلال، فيما اكتفى قادتها بإطلاق تصريحات بهدف التواجد الشكلي في المشهد عبر الشاشات وليس على أرض الميدان الفاعل.
ما بدى واضحًا، هو غياب دور قنصليات السلطة المنتشرة في العالم عن التحشيد ضد مسيرة الأعلام رغم مخاطرها الاستراتيجية على المسجد الأقصى في إطار سعيِ الاحتلال للتقسيم الزماني والمكاني.
فلم يسارع مثلًا سفير السلطة لدى جمهوريّتي غينيا وسيراليون ثائر أبو بكر لبذل جهود دبلوماسية لحشد الرأي العام الدولي ضد جرائم الاحتلال بحقّ المسجد الأقصى وإيصال مظلوميّة الشعب الفلسطيني للعالم، لكنه وعقب انتهاء انتخابات الكتل الطلابية بجامعة بيرزيت سارع لمهاجمة حركة المقاومة الإسلامية حماس والانتخابات.
غياب طويل
يُفسّر الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف غياب السلطة عن المشهد إلى سلوكها خلال عَقدين ونصف أي منذ تأسيس السلطة حتى اليوم، فلم تكن القنصليات تحمل الهم الفلسطيني ولم تكن رسلًا لقضية الشعب الفلسطيني كما ينبغي، وكانت سفارات السلطة في العالم شبه معزولة عن الجاليات وهموم الشعب، وهي الآن تكتفي بالبيانات.
ويقول عساف لصحيفة "فلسطين"، إنّ ما يغيب هو إرادة السلطة التي لم تعقد اجتماعًا للّجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وتكتفي أن يحلّ عباس محلّ الجميع، وهو الذي ترك الضفة الغربية السبت الماضي وذهب لمقابلة سفير السعودية لدى الأردن، رغم أنّ الأوضاع تتطلب أن يبقى بين أبناء شعبه وينهي هذه العلاقة "المُخزية" بينه وبين الاحتلال بالتنسيق والتعاون الأمني والارتباط بأوسلو، معتقدًا أنّ ما يغيب هو الإرادة وأنّ المطلوب العودة التي من الصعب على السلطة فعلها بعد كلّ هذا التعاون مع الاحتلال.
يقول السفير الفلسطيني السابق د. ربحي حلوم إنّ السلطة ورئيسها محمود عباس و122 سفيرًا له مُبتَعثين في مختلف أنحاء المعمورة يتسمّرون أمام شاشات التلفاز يترقّبون انتظار أن يصحو عباس من غفلته ويبحث عن نخوة لا يملكها ولا يعرف من أمرها شيئًا، وكأنهم بحاجة إلى أن يأذن لهم بالحدود التي يُسمح لهم بها بالتحرك في إطارها، فلا عين "ترى ولا أذن تسمع".
واستدرك حلوم لصحيفة "فلسطين"، بأنّ إرادة المقاومين ستظلُّ القول الفصل وتعلو فوق كلّ صوت لتغرز مخرزًا في عين كلّ محتل، في تصديهم لوحشية الاحتلال، في المقابل ترفرف أعلام الاحتلال في عواصم الدول المطبعة".
ويعتقد أن القدس لا تعني لسفراء السلطة كما لا تعني عباس، وأنهم معنيون فقط بمحاربة المقاومة، وفق الدور الوظيفي الموكل إليهم من الاحتلال لكونهم وكلاء له.
تغيير سياسة
فيما يعتقد الناشط السياسي ساري عرابي، أنّ المطلوب من السلطة تغيير سياساتها بشكلٍ جدي لأنّ سياسات السلطة المتعلقة بالمفاوضات ومنع المواجهة مع الاحتلال، ومحاولات تدجين الفلسطينيين وهندسة الجمهور الفلسطيني، وفّرت للاحتلال هذه المساحات الواسعة من الهدوء والفراغ سواء بالتمدد الاستيطاني، وفي البنية التحتية وفي بناء مستوطنات وشقّ طرق، وبناء جدار وما شابه، أو باعتداءات المستوطنين على حياة الفلسطينيين ومزارعهم، وممتلكاتهم ومساجدهم وبيوتهم.
وقال عرابي لصحيفة "فلسطين"، إنّ "كل هذه السياسات وفّرت فرصة للاحتلال بالانتفاش والعلو، وهو ما نراه الآن بطبيعة الحال بالقدس، بالتالي مطلوب من السلطة، ليس فقط أن تُفعّل السفارات والقنصليات وأجهزتها الدبلوماسية، بل مطلوب منها الخروج من هذا المسار برمّته".
وشدّد عرابي على ضرورة أن تُعيد السلطة لفتح دورها في المقاومة الشعبية الحقيقية والجدية والفاعلة والمؤثرة، والشاملة في ساحة الضفة الغربية، ومطلوب من قيادة فتح والسلطة الانسحاب من مسار التسوية، وأن تبني وحدة وطنية على قاعدة المواجهة ضد الاحتلال بسياسات جدية وليست شكلية وهذه لا يتم رؤيتها.
وأردف: "حتى المقاومة الشعبية التي تعتمد عليها لا نراها بشكلها الفاعل والمؤثر"، مشيرًا، إلى أنّ الجهاز الدبلوماسي يستنزف موارد السلطة، مع ذلك لا نرى فاعلية كبيرة بخصوص أحداث القدس، وإنّ التصريحات التي تخرج من القنصليات ليست قوية كالتي تُوجّه ضد الخصم الفلسطيني.