ازدهر التطرف الإسرائيلي بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو، وهذه حقيقة تتحدث بها الأرقام التي تشير إلى تصاعد أعداد المقتحمين للمسجد للأقصى بمقدار تباطؤ الفعل الفلسطيني المقاوم، إذ تقول الأرقام: إن اقتحام المتطرفين للقدس بلغ 100 مقتحم صهيوني في الشهر، ليرتفع العدد إلى 1000 مقتحم صهيوني سنة 2015، ليرتفع عدد الصهاينة المقتحمين للقدس إلى 34 ألفاً عام 2021، بمعدل 2500 مقتحم في الشهر، وهكذا، يزداد منسوب التطرف كلما ازداد منسوب الهدوء الذي جسده التنسيق والتعاون الأمني، أهم بنود اتفاقيات أوسلو.
التطرف الإسرائيلي صناعة الواقع، وتشير الدلائل إلى أن المجتمع الإسرائيلي يزداد جنوحاً نحن التطرف بمقدار الشعور بالأمن على مستقبله، والشعور بالأمن هذا يوفره جنوح الأنظمة العربية نحو التطبيع مع الكيان، وإقامة العلاقات الاقتصادية والأمنية معه، فالتطرف في مثل هذه الحالة هو الاستجابة المنطقية للواقع القائم، والذي تتحكم بمخرجاته عملية التنسيق والتعاون الأمني مع المحتلين من جهة، وعملية التطبيع مع الأنظمة العربية من جهة أخرى.
ضمن معادلة التنسيق والتعاون الأمني من جهة، ومعادلة التطبيع من جهة أخرى، جاءت مسيرة الأعلام لهذا العام، حيث تجاوز عدد المقتحمين للقدس العربية 70 ألف صهيوني، في الوقت الذي لم يتجاوز المقتحمون في السنوات الماضية عدد 30 ألف صهيوني على أبعد تقدير.
التصدي لمسيرة الأعلام الصهيونية لا يكون في شوارع القدس، وفي باحات المسجد الأقصى فقط، ولا يكون من خلال صواريخ المقاومة، وخوض المعارك لعدة أيام أو عدة أسابيع، التصدي لمسيرة الأعلام مرتبط بالتصدي للاحتلال بشكل عام في كل مدن وقرى الضفة الغربية، وطالما شعر المحتلون أنهم آمنون في رام الله، وأنهم مطمئنون في نابلس، ولا يرعبهم عمل مقاوم في الخليل، فالاعتداء على المقدسات الإسلامية في القدس تحصيل حاصل، ونتيجة منطقية لواقع الحال الفلسطيني.
المطلوب هو وقف التنسيق والتعاون الأمني كخطوة أولى على طريق التصدي لمسيرة الأعلام، وما دون ذلك، ستتحول مسيرة الأعلام إلى عيد قومي إسرائيلي، كما طالب بذلك رئيس الوزراء نفتالي بينت، عيد قومي يحتشد له مئات ألوف الصهاينة، ليفرضوا هويتهم على المقدسات الإسلامية، كما طالب بذلك الجنرال الإسرائيلي غرشون هكوهين، الذي طالب بهدم المسجد الأقصى، وإقامة جبل الهيكل.
وبكل أسف، ورغم اشتداد الهجمة الصهيونية على المقدسات الإسلامية، لم يجاهر أي تنظيم فلسطيني بالمطالبة بوقف التنسيق والتعاون الأمني، كمقدمة للدفاع عن القدس، ولم يطالب أي حزب أو شخصية وطنية أو مثقف أو كاتب بوقف التنسيق والتعاون الأمني، كخطوة ضرورية لمواجهة مسيرة الأعلام الصهيونية، وما زال الجميع يتعامل مع خطيئة التنسيق والتعاون الأمني، وكأنها إحدى مكونات الحياة السياسية الفلسطينية، وهذا خطأ يجب تداركه سريعاً، مع مواصلة الهجوم على المنسقين والمتعاونين أمنياً، حتى يتم القضاء على هذا الفايروس، الذي نهش الجسد السياسي الفلسطيني، وانتزع منه القدرة والقوة.