من المتوقع أن تخرج هذه السطور إلى حيز النشر، ولا يعلم كاتبها ما قد تسفر عنه تطورات الساعات القادمة في رحاب المسجد الأقصى، مع إصرار المستوطنين وحكومتهم على تنفيذ مسيرة الأعلام، سواء سارت في مسارها المعلن، أو أجريت تغييرات في اللحظات الأخيرة خشية اندلاع مواجهة لا يبدو أن أحدًا من أطرافها راغبٌ بها، كلٌّ لاعتباراته الخاصة.
أيًّا كان شكل يوم الأحد، ونأمل أن يكون يوم عزٍّ للأقصى وأهله، ترفع فيه أعلام فلسطين، وتنكس أعلام الاحتلال، لكن ما يشهده أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، وحجم الاستهداف الإسرائيلي، وتحويله إلى معركة الساعة، يستدعي من أصحاب القضية، عملًا دؤوبًا وجهدًا متواصلًا، لا يقتصر على موسم بعينه، ولا مناسبة بذاتها، على اعتبار أن الاحتلال يسابق الزمن لفرض مزيد من الوقائع على الأرض.
ليس من شك أن الاحتلال الماضي في مخططاته التهويدية في الأقصى قد يضطر أحيانًا لإعادة التموضع في التنفيذ، والتقديم والتأخير، سواء لحسابات داخلية أو ضغوط خارجية، لكن الأهم ما أثبتته الأحداث الأخيرة، ولا سيما منذ العام الماضي، وهو أن المقاومة المسلحة شكلت الضاغط المفصلي عليه، وأجبرته على التراجع المهين، كما حصل في رمضان 2021، وهبة إبريل 2022.
ليس هناك ما هو أهم من قبلتنا الأولى لتنطلق من أجلها الصواريخ والقذائف، وقد أحسنت المقاومة صنعًا بتدشين مسار غزة -القدس، ما يشكل للاحتلال سببًا ضاغطًا يجعله يعدُّ إلى العشرة قبل الذهاب لخيارات التهويد والتقسيم، وفرض الوقائع في ساحات الأقصى.
في الوقت ذاته، ما ينبغي أن يصرفنا هذا الاستنفار العسكري للمقاومة عن جهود وإمكانات كامنة لدى شعبنا الفلسطيني، يجب استثمارها وتوظيفها، بل المراكمة عليها، لأننا أمام مواجهة طويلة الأمد عنوانها المسجد الأقصى، الأمر الذي قد يبدو فيه مرهقًا إحداث ذات الاستنفار العسكري عند كل مسيرة استيطانية، أو اقتحام استفزازي، أو أداء صلاة تلمودية.
القوى الحية في الشعب الفلسطيني، في القدس والضفة والداخل المحتل وغزة، فضلًا عن فلسطينيي الشتات، والأمة من حولنا، لديهم جميعًا إمكانات كامنة، بحاجة لمن يكتشفها، ويعمل على تفعيلها، واستنهاضها، وها نحن نرى الاحتلال يوظف كل ما لديه من جهود وطاقات بين الإسرائيليين داخل فلسطين المحتلة وبين يهود الشتات، لإثبات مزاعمه الباطلة في المسجد الأقصى والقدس المحتلة.
من الأهمية بمكان أن يصبح الدفاع عن الأقصى الهم الأساسي الذي يشغلنا جميعًا، ولا سيما تحشيد المرابطين، والتكفل بنقلهم، وزيادة أعدادهم، داخل الأقصى ورحابه وبواباته، لأن هؤلاء رأس الحربة الأساسية للدفاع عن فلسطينية المسجد وعروبته وإسلاميته، وكلنا، بمختلف مجالات عملنا، من خلفهم، أدوارنا تكميلية ورديفة ومساندة.