فلسطين أون لاين

يتطلب خبرة كافية وجهدًا مضاعفًا

تقرير مشاريع تربية "الدواجن".. شباب أفلتوا من شبح البطالة وخلعوا رداء العوز

...
مشروع لتربية الدواجن
غزة/ يحيى اليعقوبي:

ظلَّ الإفلاتُ من شبح البطالة وخلع ردائه والتخلص منه، هاجسًا يرافق الشاب عبد الرحمن السويركي (25 عامًا) بعد تخرجه من دبلوم هندسة المساحة، بحث عن طوقِ نجاة داخل مؤسسات خاصة وحكومية، تدرب وتطوع فيها لمدة عامٍ كامل، لكن دون جدوى، ليحلق بعد ذلك خارج أسوار البطالة لكن بعيدا عن تخصصه.

بلا رأس مال وبقليل من الخبرة التي تراكمت مع الأيام والتجارب، بدأ عبد الرحمن مشروعه، بدءًا من استئجار مزرعةٍ، وشراء 100 صوص لاحم بعمر يومٍ، ويفتح أمامه تحديًا جديدًا، وهو واحدٌ من بين مئات الشباب والخريجين والمتعطلين عن العمل الذين خلعوا رداء الفقر والعوز وهربوا من شبح البطالة، من خلال هذا المشروع الذي يبلغ تكلفة إنشائه حسب تقدير الشاب، نحو سبعة آلاف شيقل يشمل كل تكاليف الإنتاج واستئجار المزرعة، بفوج يشمل ألف صوص لاحم.

الفرحة التي غمرته بعد نجاح الفوج الأول قبل عامين، حاضرة في مستهل حديث عبد الرحمن مع صحيفة "فلسطين"، "كان شعورًا رائعًا بنجاح المشروع، بعد خمسة وأربعين يومًا من الرعاية المتواصلة، خاصة أول خمسة عشر يومًا منها، ومراقبة دائمة ومتواصلة للحرارة ومراقبة التهوية والماء والأعلاف (...) على مدار 24 ساعةً لم أكن أغادر المزرعة وأستمر بالمبيت فيها، ففي هذه المرحلة يمكن أن يدخل الصوص بمشكلة أو مرض يؤدي إلى الرشح أو نزلة معوية يتطلب علاجه".

خرج الفوج الأول بنسبة نجاح بلغت 95%، تعرضت فقط خمس دجاجات للوفاة طيلة دورة المشروع، وقبل أسبوع انتهى من تصدير فوج جديد بلغ 2000 دجاجة وفق ما يقول.

تحديات وعقبات

 لكن لا يخلو الأمر من العقبات والتحديات الكبيرة التي تقف سدًا أمام تطور الشاب، يعدد أهمها، وفي صوته حسرة مُرّة: "احنا للأسف كأننا نشتغل للتجار، فـ طن العلف ارتفع سعره ما بين 2900-3100 شيقل، وعندما يزيد في سعر الطن بمقدار 100 شيقل -لأني اشتريته دَينًا- فإن ذلك يعني خصم 700 شيقل من المربح، وعندما أذهب لتسويق الفوج وبيعه يحسبه بأقل من سعر السوق بنصف شيقل، وهذا ما يعادل قرابة 1800 شيقل، أو أن تشتري الصوص اللاحم بأغلى من السوق بأغورتين وهذا ما يعادل 600 شيقل".

هذا الاستغلال يدفع الشاب وكثيرين غيره لمطالبة وزارة الزراعة والجهات المختصة بمراقبة موزعي الدواجن ووضع حد للاستغلال، الذي يحرمهم من المربح، ومن المشكلات الأخرى التي تواجهه، هو انخفاض سعر الدجاج في السوق عند الانتهاء من دورة الفوج الواحد.

ورغم أن هذا المشروع هو السبيل الوحيد أمام عبد الرحمن للخروج من مستنقع البطالة، إلا أنه يفكر بتركه أمام هذا الاستغلال الذي يتعرض له، في صوته سخطٌ عميق: "انت بتسيب دارك وأهلك وبتعزل حالك وبتتعب ليل نهار بالآخر بتلاقي حالك خسران رغم أن المشروع كتير كويس لو في رقابة وضبط للاستغلال".

مسؤول قسم الدواجن في وزارة الزراعة المهندس حسين الخطيب، يقر بوجود هذه المشكلة، الناتجة عن استغلال بعض التجار والموزعين للشباب الجدد في هذا المجال، مستغلين افتقارهم للخبرة الكافية والمعلومات عن السوق.

وأكد الخطيب لصحيفة "فلسطين" أن هناك شكاوى وصلت بخصوص تمادي بعض الموزعين، وهي تعمل على ضبط الأسعار ووضع حد لذلك.

وبحسب وزارة الزراعة، يبلغ عدد مربي الدواجن 6500 مزارع، لديهم 4500 مزرعة منتشرة بمحافظات القطاع، ويستورد قطاع غزة شهريا 3 مليون بيضة، تنتج مليوني ونصف المليون دجاجة لاحمة.

من غرفة إلى مزرعة

من غرفة صغيرة فوق سطح منزله إلى مزرعة على مساحة 150 دونمًا، كتب الشاب نور عسلية (23 عامًا) من محافظة جباليا قصة نجاحه في مشروع تربية الدواجن، لكن نجاحه لم يعد بالنفع عليه وحده، بل بات المشروع مصدر الدخل الوحيد لعائلته المكونة من تسعة أفراد.

لمعت الفكرة في ذهن الشاب الذي تخرج من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية بتخصص مهن تحكم صناعي عام 2019، وبحث في أروقة الورش والشركات وكان الرد دائمًا: "أترك رقمك وسنتصل بك!"، عبارةٌ فهم من خلالها أنه لا نية لتشغيله، فذهب وعمل في محل لبيع الدواجن الطازجة.

في أثناء عمله تعرض صاحب المحل لخسارة كبيرة، نصحه أحد الأفراد بمشروع تربية الدواجن ليتمكن من سداد الديون، وكانت نواة الفكرة التي التقطها أيضًا نور، يأخذ صحيفة "فلسطين" إلى بداية مشروعه قائلًا: "بدأت بإنشاء غرفة صغيرة فوق سطح المنزل وكان الفوج الأول لي 500 صوص، وبدأت أتطور بين الفوج والآخر وفي كل مرة أدخر مبلغا من الربح لتوسيع المزرعة حتى أنشأت مزرعة بنظام أقفاص حديثة في أرضنا خلف المنزل على مساحة 150 مترًا، وقبل ثلاثة أسابيع طرحت فوجًا يبلغ 2500 دجاجة إلى السوق".

ما بين البداية والنجاح الأخير، قصة شاب كافح الظروف المعيشية الصعبة، وحمل على عاتقه إخراج عائلته من حالة العوز والفقر، فوالده متعطل عن العمل ويعاني الغضروف، ولديه شقيقان من ذوي الإعاقة، ويحرص على تشغيل ثلاثة من إخوته معه، لكون المشروع بحاجة لرعاية كاملة.

لكن لا يخلو الأمر من الخسارة المفاجئة، تعرض نور لضربة كبيرة مع بداية العام الحالي، خسر في إثرها 18 ألف شيقل، مبينا أن الخسارة كانت نتيجة ارتفاع التكلفة، فبلغت تكلفة إنتاج الدجاجة الواحدة 10 شواقل، لكن وبسبب نزول الأسعار باع الكيلو بتسعة شواكل؛ ما أدى إلى تلك الخسارة، إضافة لغلاء سعر الأعلاف، وتعبئة أسطوانة الغاز".

ينصح نور الشباب بالإقدام على هذه المشاريع، ولكن قبل ذلك امتلاك خبرة كافية لكيفية تربية الدواجن، لأنه من دون الخبرة قد يتعرض لخسارات كبيرة، حتى هو ما زال يتعلم يوميا من التجارب، وهناك مشكلات عرضية تظهر له، وأمراض مفاجئة، مشيرًا إلى أنه يستعين بطبيب بيطري يشرف على كل فوج، ومن خلال هذا الإشراف اكتشف فيروس IP، وهو فيروس خطير يؤدي تفشيه لموت كل الفوج، لكنه استطاع علاجه، وهذا دليل على أهمية المعرفة والخبرة في التربية.

مميزات وتحديات

وحول أهمية مشاريع الدواجن، يؤكد مسؤول قسم الدواجن بوزارة الزراعة، أن للمشروع مميزات لأي شاب يريد الدخول في مشروع برأس مال قليل، لتربية ألف دجاجة، بخلاف مشاريع تربية العجول التي تحتاج مبالغ كبيرة، كذلك سرعة دور رأس المال خلال 35 يومًا يكون الدجاج جاهزا، وهذه ميزة اقتصادية جيدة.

وأوضح الخطيب أن التحديات التي تواجه الشباب تتعلق بالشروط والتعقيدات التي تضعها بعض المؤسسات على الشباب لإقراضهم، كذلك الخبرة القليلة لبعض المقدمين على هذه المشاريع، لافتا إلى أن الوزارة تقوم بمشروع تنمية قدرات الشباب في مشاريع التربية الحيوانية والنباتية وتدريب الشباب وتثقيفهم، فتوفر المعرفة الكافية بالإنتاج الحيواني مهم جدًا. 

ولفت إلى أن غلاء مدخلات الإنتاج تمثل عقبة أمام المشاريع الشبابية في تربية الدواجن، كذلك الصعوبات في طرق التصريف والتسويق، مبينا أن سوق غزة متذبذب، فقد يشهد شهرًا عرضًا كبيرًا من الدجاج، وفي وقت من الأوقات يشهدُ شُحًّا.

وشدد مسؤول قسم الدواجن في وزارة الزراعة على أهمية الحاجة لإنشاء مشاريع نموذجية، يتم فيها إعداد دراسة جدوى دقيقة تمكنها من دخول السوق وتجاوز تحدياته وفق نظام تربية حديث.