"وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" [الحج27]، إبراهيم u كان أمة قانتًا لله، جاءه هذا الأمر قبل أربعة آلاف عام هناك في وادِ غير ذي زرع، ولا بشر يطرقه جاءه هذا الأمر العجيب، المطلوب: أنت أذن أما المبلغ عنك فهو الله I.
ولأن إبراهيم u كان شاكرًا لأنعم الله؛ قابله الله I بصفة الشكور، فبارك بعمله وبأجره بأكثر مما يتصور، إبراهيم u أذن في جنبات وادٍ قاحل لا بشر فيه، ويدور الزمان وتأتي الاستجابة لهذا النداء من كل أصقاع الأرض، من جزر الفلبين واليابان شرقًا إلى كندا والبرازيل وتشيلي غربًا، ومن روسيا وأوروبا شمالًا إلى جنوب أفريقيا جنوبًا، الكل جاء ملبيا لنداء إبراهيم u.
وهذا كله في ميزان الأذان الأول منه في تلك الجبال الجرداء، هذا درس نتعلم منه أن الإخلاص والصدق مع الله له ثمرته دائمًا، إن لم يكن في زمانك فعبر التاريخ وما كان ربك نسيًا.
والحج تمرين على الحشر الطوعي في عرفة ليتحقق به حشر الوفادة يوم القيامة، يقول الله I: "يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا" [مريم85]، فالحاج والمعتمر هم وفد الله في الدنيا؛ لذا هم الأولى بنيل الوفادة للرحمن قبل الجنان. أما الكافرون فيقول الله بعد هذه الآية: "وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا" [مريم86]، إنهم لم يقبلوا الانسياق لداعي الله في الدنيا؛ لذا يساقوا جبرًا إلى جهنم، أما في حق وفد الله فهم يساقون إلى المضيف أولًا (الرحمن)، ثم بعد ذلك إلى نزل الضيافة (الجنة).
وكون الحج الركن الخامس في الترتيب لا يعني تأخره في الرتبة، بل هو أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد لله، فتأخره في الترتيب لطبيعة ملابسة العبد له، فهو لا يجب إلا مرة واحدة في العمر ومقيد بالاستطاعة، فهذه الطبيعة لهذه العبادة جعلها في آخر الأركان، أما من حيث حقيقتها فهي أعظم عبادة يتقرب بها العبد لربه.
لذا نلحظ في أجر الحج أنه لا يدانيه أجر، فـ"من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، وهذا الأجر بهذا الحجم وهذه العظمة لا يتصور إلا مع تلك الفريضة البدنية المالية، والتي يترك الإنسان فيها كل المحبوبات لأجل الله I.
وفي حديث آخر "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، فالأعمال الأخرى لها أجورها الجزئية، أما الحج فيمسح صحيفتك السوداء مهما بلغت، وينقلك هناك على باب الجنة لتلقى الجزاء الأوفى على هذه العبادة.
سبحان الله! أمة فيها فريضة الحج لا يمكن أن تموت، يجتهد الشيطان وأهل الباطل على مدار العام لتكون الاستجابة لداعيهم والتلبية في اتجاه باطلهم، ويأتي الحج، فينزع العبد ثوبه ويلبس ثوبًا خاصًا، ويفر من كل بقاع الأرض ليقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.