تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين ارتقوا في مراحل متعددة من النضال الفلسطيني، إضافة إلى أسرى قتلوا تحت التعذيب ودفنوا في مقابر سرية.
و"مقابر الأرقام" هي مقابر سرية دأب الاحتلال على احتجاز جثامين الشهداء فيها، لا سيما من منفذي العمليات الفدائية إلى حين تسليمهم في صفقات تبادل أو غيرها، إذ يعتبرها الاحتلال مناطق عسكرية مغلقة، ويمنع الوصول إليها دون موافقة مسبقة من جهاز "الشاباك".
وقد سميت بهذا الاسم، لأن سلطات الاحتلال تضع أمام كل قبر لافتة صغيرة تحمل رقماً يرمز للشهيد من دون كتابة اسمه.
ويحتجز الاحتلال جثامين 254 شهيدًا بمقابر الأرقام، و95 شهيدًا آخر في الثلاجات، منهم 6 شهداء من محافظة نابلس، وفقا لمؤسسات معنية بالأسرى.
غير أخلاقية
ويقول عضو الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين المحامي محمد عليان، "إن سلطات الاحتلال منذ سنة 2015، تحتجز 104 جثامين لشهداء من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة".
وأضاف عليان في تصريح لصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال يحتجز الشهداء بطريقة غير أخلاقية وغير قانونية، حيث يضع جزءًا كبيرًا منهم في الثلاجات وجزءًا آخر في "مقابر الأرقام"، بظروف صعبة، دون معرفة طريقة الاحتجاز لأي جثمان.
وبحسب قوله، فإن الاحتلال يريد من خلال هذه السياسة تحقيق هدفين أساسيين: الأول تشكيل رادع للفلسطينيين في محاولة لمنعهم من تنفيذ عمليات فدائية، والثاني استخدام الجثامين كورقة مساومة في أي صفقات تبادل مستقبلية مع فصائل المقاومة.
ولفت عليان إلى "أن ظروف الاحتجاز بالثلاجات قاسية، بسبب اهترائها وتركها دون صيانة مستمرة"، مضيفًا أن الاحتلال يكدس الجثامين مع بعضها دون مراعاة الأخلاق والقانون".
ودعا السلطة لتشكيل ضغط على الاحتلال من خلال المحاكم الدولية وتدويل القضية، مشددًا على ضرورة استعادة الجثامين ودفنهم في المقابر الفلسطينية على الطريقة الإسلامية.
واستنكر صمت المؤسسات الدولية والحقوقية فيما يتعلق في هذه القضية، داعيًا لفضح جرائم الاحتلال وتطبيق قرارات القانون الدولي.
وتابع عليان "هناك عدد آخر وكبير من الجثامين المحتجزة وغير المعلن عنهم محتجز عند الاحتلال"، داعيًا للضغط على الاحتلال للكشف عنهم وعن هوياتهم.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2017، أصدرت محكمة الاحتلال العليا قرارا ينص على أن "احتجاز الجثامين لأغراض المساومة والمفاوضات يتناقض مع القانون الإداري الإسرائيلي لانعدام نص قانوني واضح وصريح بهذا الخصوص".
وتماطل المحكمة بتطبيق قرارها الصادر بسبب ضغط المؤسسة العسكرية والسياسية، بحجة استخدامها كورقة في مفاوضات تبادل الأسرى مع الفصائل الفلسطينية في صفقات محتملة.
انتهاك القانون الدولي
يشار إلى أن المادة (17) في اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أنه "من حق عائلات الشهداء معرفة أماكن وجود أبنائها الذين قتلوا في حالات نزاع أو صراع".
ويرى رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" المحامي صلاح عبد العاطي، أن منهج الاحتلال القائم على احتجاز جثامين الشهداء في "مقابر الأرقام" هو عقاب للأهالي وإمعان في معاناتهم وزيادتها.
وعدّ عبد العاطي خلال حديثه مع "فلسطين"، احتجاز الجثامين " انتهاكًا صارخا للقانون الدولي ولكل المبادئ الإنسانية والأخلاقية، وعدم احترام كرامة الانسان حتى في وفاته".
وأضاف، أن سلطات الاحتلال صعدت من احتجاز رفات الشهداء خاصة بعد الانتفاضة الثانية، مشددًا على أنه انتهاك صارخ للقواعد الإنسانية والدينية.
وأشار إلى أن (إسرائيل) هي الكيان الوحيد في العالم التي تخرق دومًا المنظومة والمواثيق الدولية، في احتجازها جثث الموتى.
ودعا عبد العاطي المجتمع الدولي، للضغط على الاحتلال من أجل استعادة جثامين الشهداء وتمكين ذويهم من رؤيتهم ودفنهم حسب الأعراف الدينية لكل منهم.
ووجه دعوة لكل المدافعين عن حقوق الإنسان واحترام مبادئ الأخلاق، للضغط على الاحتلال للإفراج عن الجثامين وفضح جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين.
من جهته، قال المحامي في مركز حماية لحقوق الإنسان ياسر الديراوي إن "ما تقوم به سلطات الاحتلال باحتجاز الجثامين في "مقابر الأرقام" منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية يرقى إلى مستوى جرائم الحرب".
وأضاف الديراوي لـ"فلسطين"، أن "احتجاز مئات جثامين الشهداء من سلطات الاحتلال مخالف للقانون الدولي، وعلى رأسها المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب، والتي تحظر بشكل مطلق الممارسات الوحشية وغير الإنسانية والأخلاقية ضد أي مواطن كان، وتعتبر جريمة حرب وفقًا لمعاهدة روما".
وأشار الديراوي إلى أن الاحتلال يتعمد احتجاز الجثامين ويرفض الإفراج عنهم، رغم كل الضغوط التي تمارس من أجل الإفراج عنهم، داعيًا للضغط على الاحتلال وفضح جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
وقد كشفت مصادر إسرائيلية وأجنبية في السنوات الأخيرة معلومات عن أربع مقابر وهي: مقبرة الأرقام المجاورة لجسر "بنات يعقوب" وتقع على الحدود السورية الفلسطينية.
والثانية هي تقع بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، فيه بوابة حديدية معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية "مقبرة لضحايا العدو"، والثالثة "ريفيديم" وتقع في غور الأردن، والأخيرة هي "شحيطة" وتقع في قرية وادي الحمام شمال مدينة طبريا.