لم تختلف الحالة الفلسطينية في ذكرى النكبة رقم (٧٤) عن حالتها في ذكرى النكبة رقم (٧٣)، ولا عن التي قبلها، وكذا التي قبلها، وذلك لأن الاحتلال قائم، والاستيطان يتمدد ويتوسع ويلتهم الأرض، والتهويد مستمر، واقتحامات الأقصى تتوالى بلا فتور، والتطبيع العربي في هرولة ضارة بالحقوق الفلسطينية، والمجتمع الدولي لا يقدم شيئا لحق العودة، ولا لحقوق الشعب المحتل في تقرير مصيره، والسلطة الفلسطينية تجتر مواقفها التفاوضية التي كانت يوم توقيع أوسلو رغم فشلها في تحقيق مطلب الدولة والسيادة.
الاحتفالات التي يجريها الفلسطينيون في ذكرى النكبة تعيد ما قيل قبل عشر سنوات، أو قبل عشرات السنين، وهي إعادة توحي بأنه لم يحدث تقدم فلسطيني نحو الأهداف التي يعلن عنها في ذكرى النكبة عادة. في احتفالات هذا العام كالعادة تمّ إنعاش ذاكرة الفلسطينيين والعالم بأن حق عودة الفلسطيني إلى أرضه وداره هو حق فردي مقدس لا يجوز لأحد التنازل عنه، بينما السلطة تنازلت نيابة عن الفلسطينيين ومن دون تفويض منهم.
وأكد المحتفلون على رفض التوطين، والوطن البديل، وهي كلمات سياسية تتكرر وتعبر عن المشاعر الوطنية الصادقة، ولكن الميدان يحكي إجراءات مضادة هنا وهناك.
ومن أهم ما ينبه له المحتفلون، ويجري عليه التكرير والتأكيد في كل عام هو: خيار المقاومة، وأنه الآلية المناسبة لإنجاز حق العودة، والدولة، وتقرير المصير، وهذه آلية صحيحة وجربتها الشعوب التي عانت الاحتلال، ولكن المؤسف في تجربتنا الفلسطينية أن النصف المتحكم بالسلطة، والذي يستحوذ على القرار والتمثيل غادر هذه الآلية، وهو يمارس القمع ضد من يمارس المقاومة، ومن ثم انقسم الشعب على نفسه.
النكبة لم توحد الشعب وفصائله الحية إلا لفترات قليلة، وأوسلو مزق الشعب والفصائل، ومزق القرار السياسي، والسلطة تسير في الطريق الممزق أصلا بزيادة تمزيقه، مع أن الحالة الفلسطينية في عام ٢٠٢٢م في حاجة ماسة للتوحد، أو على الأقل للشراكة، ولو أنجزت احتفالات النكبة شيئا يسيرا من هذا لأمكننا أن نقول إننا في هذا العام أقرب للعودة من الأعوام السابقة، ولكن هذه الشراكة ليست قائمة، وإرهاصاتها في الأفق السياسي خافتة جدا، ومن ثمة يجدر بمن يحتفلون بذكرى النكبة أن يتبنوا إستراتيجية دفع المكونات الفلسطينية الفاعلة نحو الشراكة، والوحدة تحت شعار حق العودة وإزالة تداعيات النكبة. نريد شراكة ووحدة لكي نحقق العودة والدولة.