بالتزامن مع التوترات الأمنية التي تشهدها دولة الاحتلال في الأسابيع الأخيرة، أطلق الجيش مناورات عسكرية كبيرة باسم "عربات النار"، وتستمر شهرا كاملا، وتعتبر الأكبر في تاريخه، وتحاكي سيناريوهات قتالية متعددة الجبهات والأذرع: جوًا، بحرًا، برًا، وسيبرانيًا، في آن واحد، بهدف مضاعفة جاهزيته في الجبهة الشمالية والضفة الغربية وقطاع غزة، وفحص مدى ملاءمة القوات لمعركة قوية وطويلة الأمد، واستقاء الدروس من حرب غزة 2021.
مع العلم أن هذا التمرين يحاكي سيناريوهات مختلفة للتحديات المتعددة التي قد تشهدها ساحات القتال، بجانب الانتقال من الحياة الروتينية إلى حالة الطوارئ، مما يجعله تدريبا تاريخيا، ولعله الأكبر والأضخم في تاريخ الجيش.
ليس سراً أن هذه المناورات التي دأب جيش الاحتلال على تنفيذها، بين حين وآخر، وشهدت تزايدا في الأعوام الأخيرة، وقد تحمل في طياتها مخاطر هجوم مفاجئ وعملية غادرة في أي من الجبهات المتوترة، تسعى لمواجهة القوى المعادية للاحتلال، ولا سيما منظمات المقاومة التي تنتهج "حروب العصابات"، وتسعى دائما للاستفادة من مواجهاتها السابقة.
في الوقت ذاته، فإن انطلاق "عربات النار" يقابله استعدادات مكثفة على قدم وساق لدى الجبهات المستهدفة منها، لمواجهة السيناريو المتوقع القادم من الاحتلال، في ضوء الواقع الميداني الجديد، وما يصل من تقارير استخبارية، ومتابعات عسكرية على مدار الساعة، تجعل جيش الاحتلال أمام استحقاقات لا بد منها لوضع إجابات حقيقية عملياتية عن التهديدات المحدقة به.
لا يخفى على الاحتلال أن الجبهات التي تتهيأ لها هذه المناورات، وتحديدا لبنان وغزة، مختلفتان في التضاريس والطبيعة الطبوغرافية، ومع ذلك، فإن قوى المقاومة فيهما لا تتوانى عن دراسة وقائع الحروب الأخيرة، تماما كما يفعل جيش الاحتلال.
تأخذ المناورات الإسرائيلية بعين الاعتبار أبرز التحديات التي تنتظر الاحتلال، الذي يسعى لـ"تشريح" البيئة الميدانية لعمل قوى المقاومة في مختلف الجبهات المرشحة، أملاً في "تحديث" بنك الأهداف اللازم لاستهدافه وقتما لزمت الحاجة، في ضوء الإخفاقات الأمنية والاستخبارية التي كشفت عنها الحروب الأخيرة في غزة، واعتماد الجيش فيهما على معلومات قديمة غير محدثة.
يسعى جيش الاحتلال من مناوراته الحالية إلى تفعيل عمل الوحدات الخاصة لتكون جاهزة ومتأهبة للتحرك، سواء بغرض التنسيق العملياتي، والتشبيك اللازم مع مختلف الوحدات والألوية في عمليات متوقعة، أو تنفيذ أي عملية "تكتيكية" بالتزامن التام مع عمليات "المدى البعيد" لتفكير الجيش ومخططاته، وهو ما شهدته مدينة خانيونس قبل أربعة أعوام.
صحيح أن المناورات طابعها عسكري عملياتي بحت، لكنها في ذات الوقت تقدم خارطة طريق لصانع القرار السياسي في تل أبيب حول النهج الأكثر تفضيلاً للتعامل مع قوى المقاومة، في ضوء أنها قد تكون فعلاً على مشارف مواجهة جديدة، ستكون أكثر إيلاماً وأفدح ثمناً من أي مواجهات سابقة!