انتهى شهر رمضان الذي تصاعدت فيه وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية والمستوطنين المتطرفين في باحات المسجد الأقصى، لكن لم تنتهِ بعد تهديدات حكومة الاحتلال "الفارغة" بالذهاب نحو فرض واقع التقسيم الزماني والمكاني في مدينة القدس، ودفع المقدسيين للهجرة القسرية.
المتابع لمجريات الأحداث المتراكمة خلال رمضان وتحديدًا في الأيام الأخيرة منه يعي تمامًا أن التهديدات الإسرائيلية سريعًا ما تتبخر وتتلاشى حين التنفيذ العملي لها، بعدما كشّر الفلسطينيون في مدينة القدس عن أنيابهم وتسلّحوا بالثبات والوسائل البدائية، لمنع أي حماقات ضد المسجد الأقصى المبارك.
لكن المقاومة في قطاع غزة كانت ولا تزال حاضرة بقوة في المشهد تسند ظهر المقدسيين الذين يدافعون عن قلب الأمة النابض -المسجد الأقصى- عبر إطلاق تهديدات نارية اخترقت قلب رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، الذي يقود تلك الحكومة على "شفا حفرة من النار".
تهديدات المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس لم تكن عبثية، جعلت "بينيت" يخر أرضًا من شدة الأزمة التي يواجهها، إذ سارع إلى منع تنفيذ مخطط ذبح القرابين ومسيرة الإعلام في أواخر شهر رمضان المبارك.
حكومة الاحتلال ومستوطنيها حاولت النهوض مجددًا بعد الصفعة التي تلقتها خلال رمضان، عبر السماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى الأسبوع الماضي، ورفع الأعلام فوق قبة الصخرة، لكن المقاومة كانت بالمرصاد وحذّرتها من القيام بتلك الخطوات، إذ ستكون بمنزلة الدخول في حرب جديدة.
وبالفعل لم يستطِع أي مستوطن رفع علم دولة الاحتلال في باحات الأقصى، وهو ما أظهرته مقاطع الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حينما حاولت مستوطنة إسرائيلية رفع العلم، إذ بشرطي إسرائيلي يلاحقها ويسحبه منه فورًا، وهنا تسجل المقاومة ضربة جديدة ضد "بينيت" وحكومته المُنهارة.
مسلسل التهديدات لم يتوقف، بل هذه المرّة خرج رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار بخطاب ناري دعا فيه المواطنين في الضفة الغربية والداخل المحتل إلى تنفيذ عمليات فدائية بالأسلحة النارية والبيضاء بما فيها (الساطور) ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى.
لم يمضِ سوى بضعة أيام على تلك الدعوات، حتى حمل شابان من بلدة رمانة قضاء جنين، (الساطور) ونفذا عملية بطولية في مستوطنة "إلعاد" قرب العاصمة المُحصنة (تل أبيب) وفق مزاعم الاحتلال، أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين وإصابة آخرين بينهم اثنان وصفت إصابتهما بالحرجة.
اشتاط غضب قادة الاحتلال من قوّة العملية التي "أوقفت إسرائيل على رجل واحدة" التي سرعان ما جرى ربطها بتحريض السنوار للشباب الثائر بالضفة بالرد على الجرائم الإسرائيلية، حتى انطلقت دعوات لضرورة اغتيال "السنوار".
وتُعد عملية "إلعاد" المزدوجة، هي الرابعة من نوعها داخل الأراضي المحتلة عام 1948 في غضون أسابيع قليلة، إذ تفيد إحصائية شاملة بأن 18 إسرائيليًا لقوا مصرعهم خلال شهر ونصف.
لم تصمت كتائب القسام على تكرار التهديدات والمطالبات باغتيال "السنوار" ليخرج الناطق باسمها أبو عبيدة بتصريح مُقتضب هزّ أركان دولة الاحتلال قال فيه "إن المساس بالسنوار أو أيّ من قادة المقاومة هو إيذانٌ بزلزالٍ في المنطقة وبردٍّ غير مسبوق".
في نهاية المطاف، فإن كل ما جرى استعراضه جاء ضمن نتائج معركة "سيف القدس" التي اندلعت في 11 مايو 2021، حينما سجّلت المقاومة الفلسطينية انتصارًا للشيخ جراح والمسجد الأقصى، وتغيير قواعد اللعبة عبر "قوّة الردع" التي امتلكتها.
وأثبت ذلك "السنوار" حينما قال في خطابه "سيف القدس الذي امتشقناه العام الماضي لن يغمد حتى التحرير والعودة بإذن الله، وأن النتيجة جاءت أكبر بكثير مما تمّ تقديره، وما زال صداها يتسع ببركة الأقصى.
حديث السنوار جاء لتثبيت قاعدة "العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم" بين المقاومة ودولة الاحتلال، التي باتت تحسب ألف حساب لعواقب أي خطوة قد تُقدم عليها تجاه المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية.