فيما فشل أمن الاحتلال بوقف عمليات المقاومة، وعجز عن وضع حد لها، فقد ارتأت أوساطه الهرب للأمام بالدعوة لتنفيذ اغتيالات ضد القادة الفلسطينيين، بزعم تحريضهم على تنفيذ العمليات، دون ان توفر هذه الاغتيالات، في حال حصلت، "بوليصة تأمين"، لطي صفحة الهجمات الميدانية التي أرقت مضاجع الاحتلال، واخترقت جبهته الداخلية.
جديد التهديدات الإسرائيلية بالاغتيالات، أنها "وسعت" دائرة الاستهداف بالوصول بقيادات سياسية عسكرية رفيعة المستوى، بما يتعارض مع وثيقة صادرة في سنوات سابقة عن هيئة رئاسة أركان الجيش، سبق لها أن حددت الأشخاص الذين ينطبق عليهم لقب "جاهزون للتصفية"، وهم منفذو العمليات مباشرة، ومن يساعدونهم بصور مباشرة، ومن يقومون بإرساله، والمخططون للفكرة الميدانية، ومن يجندونهم.
ذات الوثيقة المذكورة التي أعدها "عاموس يادلين" رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، أشارت إلى الجهات غير المشمولة ضمن المرشحين للتصفية، وهم المرتبطون بالعمليات بصورة غير مباشرة، ومنهم ممولوها، والخطباء الذين يمتدحونها، والمتبرعون بالأموال لعائلات منفذيها، دون التدخل في التخطيط لها.
يحمل تنفيذ سياسة الاغتيالات في ثناياه مضامين كثيرة، منها الحد من تطور ظاهرة انتشار الهجمات المسلحة ضد الجيش والمستوطنين، أو الحد من نشاطات منفذيها، من خلال تقليل تحركاتهم، أو بقصد تراجعهم، خوفا من انكشافهم وتعرضهم للاغتيال.
هناك استدلال آخر يتعلق بامتلاك الاحتلال أذرعاً أمنية وعسكرية قادرة على الوصول للهدف المقصود، واستمرار قدرة أجهزته الأمنية برصد المجتمع الفلسطيني، وجمع المعلومات اللوجستية، وهي الركيزة الأولى بنجاح الاغتيالات، فضلًا عن محاولة فاشلة لضرب الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، القوة الحقيقية التي يستند إليها في الصراع الدائر في ظل غياب المعادل الموضوعي، أو القوة العسكرية المتكافئة.
لا يتورع الاحتلال في الحديث عن رغبته بإبقاء المقاومين في حالة التفكير في أنفسهم، وعدم التوقف في البحث عن مخابئ، ما سيشغلهم عن التخطيط لتنفيذ عمليات ضده، ما يجعل التصفيات والاغتيالات واجبة في ظل الوضع الحالي الذي يواجه أزمة حقيقية في تدهور واقعه الأمني.
كل ما تقدم من معطيات لا تنفي أن هذه الاغتيالات إنما تأتي في سياق "فشة الخلق" الإسرائيلية، وتعني من واقع التجربة التاريخية أنها لم تؤدِّ إلا لتعاظم خسائر الاحتلال، وتوفر المسوغات لحركات المقاومة لمضاعفة عملياتها، وجعلها أكثر ضراوة.
مع العلم أن استمرار صراخ الاحتلال، وتسابق قادته في إطلاق التهديدات ضد قادة المقاومة، لا ينفي وجود اعترافات إسرائيلية تشير إلى أن عمليات التصفية لا توفر دماء الإسرائيليين، بل تزيد منها، وذريعتها الحقيقية سياسية وسيكولوجية، وليست أمنية بحتة، ما يحمل دلالة إسرائيلية لا تخطئها العين بأن عمليات التصفية تشكل بالضبط الوقود الذي يؤجج نار المقاومة، وجعل عملياتها أكثر خطورة، وأشد تصميمًا.