فلسطين أون لاين

الاحتلال يحتفل بذكرى تأسيسه مع تنامي عوامل التدمير الذاتي

فضلا عن المنطلقات التاريخية الظالمة التي أقيمت بموجبها دولة الاحتلال على أراضينا الفلسطينية المحتلة قبل أربعة وسبعين عاما، فإن هناك مؤشرات تعانيها وهي تحيي هذه الأيام ذكرى "استقلالها" المزعوم، و"نكبتنا" التاريخية، ساهمت في تعكير صفو احتفالاتها، وأشعلت أضواء حمراء أمام دوائر صنع القرار فيها، أهمها مخاطر الانقسام الداخلي بين الإسرائيليين، بجانب عمليات المقاومة الأخيرة التي أعادت لأذهان الإسرائيليين حقائق تناسوها عن استمرار الصراع مع أصحاب الأرض الأصليين.

احتفل الاحتلال في هذه الذكرى باستحضار العديد من الإنجازات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية، لكنه في الوقت ذاته لم يتجاهل "أمراض المناعة الذاتية" التي تصيبه في السنوات الأخيرة، مع تنامي الاستقطاب الحزبي الذي قد يؤدي به للهلاك، وفق الاعترافات الإسرائيلية.

لا ينكر الإسرائيليون أن الأحلام التي دفعت مؤسسي كيانهم الطارئ، الخاصة بتجميع اليهود حول العالم، وضرورة التحشيد الداخلي، لمواجهة الأخطار الخارجية، أصابها الجفاف، صحيح أن دولة الاحتلال واحدة من أقوى دول المنطقة بالمعايير المادية، لكن أوساطها العقلانية، على قلّتها، تحذر من أن تصاب في حالة من الخداع الذاتي، فما يحصل فيها من مؤشرات مقلقة، تأخذها إلى حالة من التفكيك من الداخل.

في زمن نفتالي بينيت وقبله بنيامين نتنياهو، ومن قبله إيهود أولمرت، وإيهود باراك، مع استثناء نموذج أريئيل شارون، باعتباره من سلالة الآباء المؤسسين للكيان، "يحن" الإسرائيليون إلى مبادئ وشعارات ديفيد بن غوريون الذي دعا لتغليب المصلحة العامة للدولة على المصالح الخاصة، وسعى لتعبئة الإسرائيليين بأسرهم، رغم اختلاف الآراء والمصالح، في عملية إقامة الدولة، وقدرته، مع بعض الإخفاقات، على تخليص اليهود، ولو مؤقتاً، من الميل إلى الذات والقبيلة، أما اليوم، وبعد أربعة وسبعين عاما من تلك المنهجية فمن الواضح أنهم ذاهبون باتجاه الضغط على زر التدمير الذاتي.

تحمل هذه التفسيرات الإسرائيلية التي يطغى التشاؤم عليها مخاوف من اتساع رقعة الخلافات بين مختلف مكونات الدولة، والفشل في إدارة هذه الخلافات والتباينات بطريقة تحافظ على بقاء كيان الدولة قائما من داخله، بعيدا عن كابوس انهيارها الذاتي، ولا سيما مع تزايد ظهور الهويات المتنوعة والخطابات القطاعية، وتدهور مبادئ تعزيز الدولة، وتقهقر أفكار التضامن المتبادل بين مختلف الشرائح الإسرائيلية. 

اليوم، تتجلى في دولة الاحتلال سيطرة المصالح الحزبية والشخصية الضيقة المتجسدة في خطاب الأحزاب السامة والتحريض السياسي، بما يعكس صورة قاتمة للمجتمع الإسرائيلي، ولن تتوقف آثارها على الصعيد الداخلي فقط، بل ستهدد أمنها الخارجي، وهذه مهمة القوى الحية في المنطقة للتعجيل باستهدافها، وحرمانها من الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لإقامتها.. هذه مهمة عاجلة!