الحلم الفلسطيني يتألق طردياً كلما أنعشه الجيل الفلسطيني الراهن بنبضة حياة كهذه، وقد خرج فتيانه الأشاوس من رحم النكبة التي يسميها المحتلون الصهاينة زوراً وبهتاناً بيوم الاستقلال.. من خلال تنفيذ العمليات البطولية كهذه العملية الفدائية المزدوجة التي أقترح تسميتها بـ ”عملية الأقصى”.
فقد قُتل ثلاثة مستوطنين على الأقل وأُصيب ثلاثة جرحى إصاباتهم حرجة في عملية إطلاق النار والطعن بالساطور في إحدى متنزهات “إلعاد” المقامة على قرية المزيرعة المهجّرة وقرية مجدل الصادق جنوب منطقة المثلث، شرقي تل أبيب، نفذها فلسطينيان بعد أن استهدف أحدهما الرجال في المتنزه بمسدسه، فيما قام الثاني بضرب رجل أمن إسرائيلي ببلطة بعد أن حاول التصدي لهما بمسدسه، فأرداه قتيلًا، ثم انسحبا من موقع الحدث بنجاح، أحدهما انطلق بسيارته إلى منطقة مجهولة والثاني انحجب عن الأنظار، ربما في الغابات القريبة، جاء ذلك ردًّا على الانتهاكات الإسرائيلية للأقصى التي بدأت منذ صبيحة اليوم.
ويجري البحث عنهما حيث تشير المصادر العبرية إلى أنهما من شمالي الضفة الغربية المحتلة مرجحة أن يكونا من جنين، ما سيترك مجالاً لاتخاذ جملة من إجراءات قاسية ضدها بعد أن قررت حكومة نفتالي بينيت الإسرائيلية رفع الحصار عن الضفة الغربية وسحب تعزيزاتها ابتداءً من يوم الأحد المقبل، لكنها مساء أمس الخميس أقرت في اجتماعها المتأخر العودة إلى تمديد القرار حتى الموعد أعلاه.
ويبدو أنّ الحكومة التي تعاني أزمة ثقة، والمعرضة للسقوط في أي انتخابات مبكرة بسبب تصاعد الاحتجاجات ضدها في مكان العملية، عجزت تمامًا عن معالجة الأسباب الحقيقية للوضع المتأجّج في “إسرائيل” وكونها تتجاهل الطرف الفلسطيني في أيّ حلول مقترحة والتركيز على المعالجات الأمنية واعتبار سلطة أوسلو جهة منسقة في ذلك، والتعامل في الشأن الاقتصادي مع الفلسطينيين كوسيلة ضغط تحت مبدأ “العصا والجزرة” مع أنّ السبب الرئيسي بالنسبة للفلسطينيين هو الاحتلال نفسه الذي يمارس سياسة الفصل العنصري بحقهم وينتهك مقدساتهم الإسلامية والمسيحية ويحاصر غزة، لذلك يقاومون لتحرير البلاد من دنسه.
من جهتها: “بلدية “إلعاد” طلبت من المستوطنين التزام المنازل بعد العملية التي أدت لمقتل وإصابة عدة مستوطنين”.
وقام مستوطنون بالتعرض لسيارات الفلسطينيين المارة عبر الشارع ٦٠٠ الذي يربط مدينة الناصرة ببئر السبع مرورًا بالضفة الغربية، ورشقها بالحجارة، وخاصة قرب مداخل المستعمرات التي لم تعد آمنة، وهم أنفسهم الذين دأبوا على انتهاك أملاك الفلسطينيين ومصادرتها تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وهذه العملية تدل على أنّ المقاومة مستمرة في ضرب العمق الإسرائيلي وإفشال نظرية الأمن الإسرائيلي وتفريغ اتفاقية الأمن الإسرائيلي من مضمونها الأمني والتأكيد على أنّ كلمة المقاومة باتت هي العليا في إطار إجماع فلسطيني على نهج المقاومة الذي تحوّل إلى ثقافة راسخة في عموم فلسطين المحتلة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الخطورة في مثل هذه العمليات تكمن في كونها تقوم على الاشتباك المباشر من منطقة الصفر، وجهاً لوجه، وبأعصاب باردة كمياه طبريا، والإيمان بالحقوق المشروعة التي يدافع عنها هؤلاء الأبطال الذين يبادرون إلى التضحية بأنفسهم دون الارتباط بتنظيم فلسطيني معين، ناهيك بكونهم من الجيل الفلسطيني الجديد الذي راهن ابن غوريون بداية النكبة على نسيانهم لفلسطين السليبة؛ لذلك يطلق عليهم الإعلام الإسرائيلي اسم “الذئاب المنفلتة” فيما يتباهى الفلسطينيون بلقب “الأبطال”.
سلسلة العمليات التي بدأت في بئر السبع منذ الأول من رمضان ولم تنتهِ يوم أمس في “إلعاد”، تتضمن رسالة موجهة للعالم، مفادها أنّ قيادة المقاومة وخاصة حماس باتت أكثر تأثيرًا على الشعب الفلسطيني الذي يتبنى اليوم المقاومة كخيار استراتيجي، بعد فشل العملية السلمية برمتها التي بدأت في أوسلو نهاية 1993 واستنفذت من خلال تقديم التنازلات دون مقابل، وتمخضت نهاية المطاف عن سلطة تنسيق أمني عاجزة تمامًا عن الدفاع عن شعبها وفي نظر الإسرائيليين فشلت في تأمين أمن المستوطنات كمستحقات للطرف الإسرائيلي الذي يسعى لاحتلال الأرض وامتهان الإنسان.