فور وقوع العملية الفدائية في مدينة إلعاد شرقي تل أبيب والتي أدت لمقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة آخرين بجروح حرجة، رُبِطت هذه العملية بتهديدات السنوار، وبما جرى في المسجد الأقصى مؤخرا، وذلك لكون خطاب السنوار دعا إلى تنفيذ العمليات انطلاقا من الضفة الغربية باستخدام الأسلحة المتاحة بما فيها (الساطور) فجاءت هذه العملية بعد وقت قصير من تهديدات السنوار، واقتحام وتدنيس المسجد الأقصى، والتي استُخدم فيها ذات الأداة التي ذكرت حرفيا في خطابه، الأمر الذي دفع عددًا من القيادات السياسية والأمنية لدى الاحتلال لتحميله المسؤولية المباشرة بل والمطالبة باغتياله كثمن وردة فعل على ما حدث.
لكن على الرغم من هذه المطالبات بعودة سياسة الاغتيالات، فإن حكومة الاحتلال لا تجرؤ على اتخاذ هذا القرار؛ وذلك لاعتبارات مختلفة منها، الخشية من ردود أفعال عنيفة من المقاومة الفلسطينية، والخوف من أن يؤدي ذلك لتصعيد العمليات وانفجار المشهد برمته في مختلف الساحات الفلسطينية، وأن يتسبب ذلك في دخول المواجهة في منحنيات خطيرة وغير مسبوقة وعلى رأسها قد يكون العودة (لعمليات التفجير) داخل الكيان والتي كانت من أصعب العمليات التي عايشها الاحتلال الإسرائيلي، هذا إضافةً إلى أن سياسة الاغتيالات لم تؤدِّ يوما لتقويض التنظيمات الفلسطينية أو ردعها أو حتى خفض نشاطها، وفي كل مرة كان يتسلم الراية قيادات أكثر قوة وتصميما على مواصلة ذات الطريق.
لذلك فإن حكومة نفتالي بينيت وهي تحتضر تبحث عن "حلول سحرية" تخرجها من هذه الورطة التي يصعب الخروج منها "بخطوات مألوفة"، وفي ذات الوقت لا تريد أن تؤدي أي خطوة لاندلاع جولة جديدة من القتال مع حركة حماس وبقية فصائل المقاومة؛ لأنها وبكل بساطة لن تستطيع تحقيق أهداف سياسية ولن تفلح في فرض واقع ميداني جديد، وعليه: فإن اتخاذ قرارات متقدمة للرد على هذه العملية مغامرة محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي أصلا لنتائج غير مسبوقة، في ظل امتلاك المقاومة في غزة إمكانات مختلفة قادرة على إيلام العدو وردعه، هذا إضافة إلى ما يمكن أن ينطلق من الضفة والقدس والـ48 من عمليات نوعية بالتزامن مع أي مواجهة محتملة، وحينها ستجد هذه الحكومة أنها "غارقة في الوحل"، فبدلا من جلب الأمن للمستوطنين تكون جلبت الخراب والدمار ومزيدًا من الدماء لهم وكتبت السطر الأخير في عمر هذه الحكومة.
هذه هي خيارات حكومة الاحتلال، فهي تسير على "حقل ألغام"، وتتقدم ببطء، لكنها تتوقع الانفجار في أي لحظة، ولا يمكنها التراجع للخلف، وبمعنى أكثر وضوحا "خياراتها صعبة للغاية"، لأن عودة العمليات الفدائية وبهذا الزخم والقوة خطير للغاية، ولا يمكن التغلب عليه بسهولة، على الرغم من كل الإجراءات والاستعدادات الأمنية الحالية، والتي أثبتت فشلها في توفير الحد الأدنى من الأمن للجنود والمستوطنين، كما أن بقاءها مكبلة وعاجزة بل ومترددة يجلب لها مزيدًا من الانتقاد والسخط ويقودها للانهيار القريب في ظل تربص أحزاب المعارضة التي تنتظر هذا السقوط بفارغ الصبر.
واقع فرضته المقاومة حينما (حطمت سكة القطار) أمام هذه الحكومة، وأوقفت مسيرها، كما أسقطت الحكومات السابقة وأظهرت عجزها، ووضعت حدا لمستقبل عدد من الساسة والقيادات الأمنية لدى الاحتلال، "وكسرت أنوفهم" وجعلتهم عاجزين ومردوعين، لأن شعبنا الفلسطيني يقبل دوما التحدي ويحرص على مواجهة هذا المحتل ويرفع الكلفة معه حتى يصبح الثمن باهظا، والتاريخ حاضر، فقد استطاع شعبنا البطل ومقاومته الباسلة من مواجهة تطرف القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية ووضع حد لها وجعلها مكشوفة وعاجزة أمام جمهورها، بل إن أكثرهم شطبت حياته السياسية ولحق به عار الهزيمة بعد أن تحدى المقاومة وهو الآن لا يجرؤ على التفوه بأي عبارة تهديد.
وفي الختام نقول إن استمرار هذه العمليات يؤسس لمكاسب كبيرة ومهمة، فعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي: 1_ يفقد الإسرائيلي أي شعور بالأمن ويحطم أي ثقة بهذه المنظومة ويقودها إلى انهيار معنوي وربما ميداني، 2_ يعمق القناعة لدى كل من يرغب بالهجرة للكيان أن (إسرائيل) ليست آمنة، 3_ كما قد يدفع الآلاف إلى الهرب خارج الكيان بحثا عن الأمن، 4_ يكشف ضعف القيادة السياسية ويجعلها محطًا للسخرية والانتقاد ويعرض الحكومة للانهيار.
ومن جانب آخر يحقق مكاسب عظيمة للفلسطينيين، أبرزها: إجبار الاحتلال على الرضوخ لمعادلات تفرضها المقاومة وعلى رأسها تحصين وحماية القدس والأقصى، وحماية شعبنا من بطش وعدوان الاحتلال، وفرض شروط المقاومة التي يمكن أن تحقق المزيد من الحقوق للفلسطينيين، وحماية مشروعنا الوطني وتوحيد شعبنا خلف بندقية التحرير، وأعظم من ذلك في تعبئة الشعوب من أمتنا العربية والإسلامية ضد هذا الاحتلال ووقف مخاطر التطبيع، وكشف زيف هذا الاحتلال وفضح وجهه القبيح، وإظهار العلاقة الندية معه وإسقاط كل مسارات التعاون معه، والتضييق عليه وعلى مشاريعه وأطماعه وصولا لكنسه عن أرض فلسطين.