أعادت الهجمات الفدائية الفلسطينية الأخيرة إلى أذهان الإسرائيليين ما شهدته الضفة الغربية منذ سنوات عديدة، حين غدت ساحة مواجهة حقيقية لجيش الاحتلال مع تهديدات المقاومة المسلحة، التي خاضت معها حرب استنزاف مضنية، إلى جانب التهديد القادم من قطاع غزة متمثلاً بالقذائف الصاروخية.
في ساحة الضفة الغربية يواجه الجيش الإسرائيلي تهديد العمليات المسلحة من خلال معركة طويلة المدى، تقوم على الاستنزاف الميداني، بعد ان أنهكت هذه المواجهة مختلف جوانب حياة الإسرائيليين، فضلاً عن الجوانب الأمنية التي جعلت من واقع سير الحياة بصورة طبيعية أمراً غير قائم.
في الوقت ذاته، لم يعد سراً أن حجم هذا التهديد تراجع بصورة واضحة منذ تنفيذ عملية "السور الواقي"، ومواصلة المعركة التي أعلنها جيش الاحتلال ضد قوى المقاومة، وهي معركة قامت بها بصورة فعلية قيادة المنطقة الوسطى، وباقي الأذرع الأمنية للاحتلال.
مع العلم أن إدارة العمليات القتالية ضد مواجهات الاستنزاف وقوى المقاومة التي خاضت مع الاحتلال نموذجا هجيناً يقترب من "حرب العصابات"، وإن بفوارق جوهرية عنها، لكنها أفقدت الاحتلال بعضا من استقراره الأمني والمدني، مما دفعه للعمل بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية على "إخضاع" هذه القوى بالقوة، عبر وضع حد للفعاليات الجماهيرية ضد الاحتلال، وإغراق الفلسطينيين بمشاريع التطوير الاقتصادي، وتعزيز التنسيق مع المنظومة السياسية والأمنية القائمة في الضفة الغربية.
لم يضع الاحتلال سقفا زمنيا لانتهاء عملياته العدوانية في الضفة، بزعم أنها مرهونة بتحقيق أمن جنوده وقطعان مستوطنيه، بتركيز عملياته الهجومية في جملة من الخطوات، أهمها: الاعتقالات والتحقيقات الأمنية، الإحباط المركز، الاقتحامات الميدانية، نصب الحواجز، الاستخدام المكثف للوسائل الأمنية والاستخبارية، خطوات مدنية لرفع مستوى البنية التحتية لفلسطينيي الضفة الغربية، وتحسين ظروف معيشتهم بعنوان "السلام الاقتصادي".
مع أن ما وصفه الاحتلال من "نجاح مزعوم" يتفاخر به في قدرته على محاربة المقاومة، لم يسمح بأن يبقى جيشه ومستوطنوه في حالة استقرار، ولاحظنا في بعض الأحيان حالة "انتعاش" عاشتها المنظمات الفلسطينية في مناطق من الضفة، لاسيما شمالها في نابلس وجنين، مما دفع الجيش للوصول لقناعة مفادها أن تواجده العسكري الميداني هناك هو المؤثر الأساس في وقف وإحباط أي عمليات معادية، رغم ما يعنيه ذلك من استنزاف له، وتعريضه للاستهداف المباشر.
الخلاصة أن ما شهدته الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة من أحداث داخلها، وأخرى خرجت منها باتجاه فلسطين48، يبدد حالة الاستقرار التي زعمها الاحتلال في شهور وسنوات سابقة، مما يعني استمرار المواجهة مع المقاومة على قدم وساق، وبصورة مكثفة، وتستند فقط على ما تقوم به قواته من عمليات ميدانية لا تتوقف لحظة واحدة.