في ذروة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في المسجد الأقصى، وتواطئه مع قطعان المستوطنين، ظهر فجأة اتهام رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت "لحركة حماس بالوقوف خلف حملة تحريض إعلامي ممنهجة ضد الاحتلال فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، زاعما أن الأيام الأخيرة شهدت حملة تحريض ممنهجة بتوجيهات من حماس حول الواقع في الأقصى، متوقعا من الجميع عدم تصديق روايتها".
ليست المرة الأولى التي يعبر فيها الاحتلال عن غضبه من الأداء الإعلامي للمقاومة الفلسطينية، ويعيد من جديد طرح الحديث القديم الجديد حول معركة الرواية بين الفلسطينيين والاحتلال، وقدرة الطرف "المحتل" على تسويق روايته أمام الرأي العام العالمي، وإخفاق الاحتلال في ذلك، رغم ما لديه من إمكانيات هائلة، وتجنيد منقطع النظير لكل أدواته الدعائية.
هذا يعيدنا من جديد لما يحتله الإعلام الفلسطيني من أولوية متقدمة في الأداء السياسي، حيث لم يعد خافياً على أحد أهمية توجيهه لدعم الموقف الوطني، وخلق حالة مساندة للمطالب في أي مجتمع كان، ولا شك أن الإعلام في المجتمع الفلسطيني يحظى بأهمية ومكانة اعتبارية، لكونه متابعا للحدث الميداني وتطوراته، ومتداخلا مع الفعل النضالي ضمن محصلته التراكمية باسم إعلام المقاومة.
تنبهت كثير من فصائل المقاومة لأهمية التغطية الإعلامية لفعالياتها، ونشر ما يصدر عنها، وقطعت في هذا المجال شوطا لا بأس به، فانتقلت من وسائل الإطْلاع البدائية كالبيان والكتابة على الجدران والنداء بمكبرات الصوت، إلى مرحلة إصدار الدوريات والنشرات، ودخلت العالمية بإنشاء مواقع خاصة بها على شبكة الإنترنت، وتحولت تلك المواقع لمراجع إعلامية رسمية توضح مواقف وأفعال قوى المقاومة، وهذا شكل متقدم من أشكالها.
لم يعد سراً أن الحالة الوطنية الفلسطينية ظهرت خلال الجولة الأخيرة في الأقصى بحلة إعلامية جديدة استطاعت الارتقاء بخطابها الإعلامي، وبمستواها الأدائي على الأرض، وأوقعت في ذات الوقت الاحتلال الإسرائيلي في وحل من الضلال لم يعتد عليه في مواجهات سابقة، مما انعكس على تصريحاته وأدائه الميداني.
انتهج "إعلام المقاومة" مؤخراً سياسةً تعتمد على تضليل العدو، وتركه يتخبط في تحليلاته، وأثبتت نجاحا واضحا تسبب للاحتلال في فقدانه للبوصلة، وغرقه وسط مجموعة كبيرة من التحليلات المتناقضة التي انعكست على سلوكه الميداني تجاه المرابطين في الأقصى، والمقاومة في غزة.
لعل هذا النجاح الواضح لإعلام المقاومة، يعود أساسا لإدراكها أن معركتها مع الاحتلال ليست عسكرية بحتة، بل أمنية وإعلامية، تعتمد بدرجة كبيرة على صراع الأدمغة والعقول، وانطلاقاً من هذا الفهم العميق، وإدراكاً لطبيعة المعركة معه، فقد اعتمدت المقاومة سياسة إعلامية شكلت مقاومة مباشرة، وأربكت الاحتلال، بما تمثل في تصريحات قادته، وعلى رأسهم بينيت، الذي لم يخفِ غضبه وضجره من نجاحات إعلام المقاومة أمام إخفاق وفشل دعايته الكاذبة المضللة!