لم تكن الأزمة الحكومية الإسرائيلية، التي قد تفضي إلى انهيارها وسقوطها، وليدة اللحظة، أو بفعل استقالة رئيسة الائتلاف، أو حالة التربص القائمة بين المعارضة والموالاة، رغم أنها الأسباب المباشرة لها، لكن المسألة أعمق من ذلك بكثير، وقد تتعلق بما يعيشه النظام السياسي الإسرائيلي من أزمة مستعصية منذ سنوات طويلة، وجدت ترجمتها في قمة جبل الجليد التي رأيناها مؤخرا.
مع أنه بالنظر للاستقطاب المتزايد في المجتمع الإسرائيلي، فمن الواضح أن منظومته السياسية ذاهبة لمزيد من التدهور، وهو ما كان متوقعا منذ تشكيل الحكومة الحالية التي ضمت بين دفتيها خليطا متناقضا من الأيديولوجيات السياسية والمواقف الحزبية، مما أظهرها أمام ارتباط مصطنع بين مكوناتها القائمة.
هذا يعني أننا أمام حالة غير سوية من العمل السياسي الذي تشهده دولة الاحتلال، بل إنها شاذة، وغير مسبوقة، لأن الحكومة القائمة يقودها رئيس لا يملك أكثر من ستة مقاعد في الكنيست من أصل 120، وهو ما لم يحصل سابقاً، في حين أن شركاءه في الائتلاف يحوزون مقاعد أكثر بأضعاف منه، من يصدق ذلك؟
أكثر من هذا، من كان يتخيل أن تجتمع هذه الفسيفساء الحزبية والأيديولوجية التي لا يجمعها جامع، داخل هذا الائتلاف، فقط لسبب واحد يتمثل في إقصاء نتنياهو الذي يجلس في الزاوية، ويحيك مؤامراته التي لا تتوقف لإسقاط هذه الحكومة، مما حمل كثيرا من المعطيات التي أكدت أن هذه المهزلة لابد أن تنتهي، ولو بعد حين.
السائد حاليا في أوساط الحكومة التي يهتز عرشها في هذه الآونة، أن أعضاءها ووزراءها باتوا يخبرون رفاقهم في الحكومة أن طريقهم المشترك قد انتهى، رغم أن بعضهم قد يجد صعوبة في ابتلاع البديل القادم الذي قد يكون متمثلا في نتنياهو الذي سيطيح بكل من "تآمروا" لتنحيته عن منصبه الذي قضى فيه أطول فترة من بين سابقيه ولاحقيه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
تشير المعطيات القائمة أن هذا الائتلاف قد يشهد انسحاب المزيد من أعضائه، خاصة من حزب يمينا أو أمل جديد أو القائمة العربية الموحدة، مما يعني انهياره فعلياً، وبدء التحضير لانتخابات مبكرة، قد تكون الخامسة خلال ثلاثة أعوام، وهذا سيناريو سيكون المستفيد الأول منه حزب الليكود الذي شهد تصاعدا في شعبيته مؤخرا، وبات يحوز على 38 عضو كنيست فيما لو جرت الانتخابات حاليا، مع أن لديه اليوم فقط 28 مقعدا.
مع أن الحكومة الحالية التي تعيش حالة أشبه ما يكون بـ"مرحلة انتقالية"، تنأى بنفسها عن هذا الخيار "الكارثي"، لأنه سيطوي صفحة رئيسها مرة واحدة، وإلى الأبد، ولعل هذا السيناريو المرجح، رغم أنه قد يأخذ بعض الوقت بانتظار إنضاجه على نار هادئة!