مع العجز الإسرائيلي أمام هجمات المقاومة، واستدعاء مزيد من الحلول الأمنية والعسكرية لمواجهتها، عاد الحديث مجددا بشأن تمكين جدار الفصل العنصري الذي أقامه شارون قبل عقدين، لوضع حد للمقاومين من التسلل عبر الضفة الغربية لتنفيذ عملياتهم في قلب فلسطين المحتلة، وبعد مرور هذه السنوات الطويلة، فقد بات التخوف الإسرائيلي من تحول الجدار، الذي أقيم لأغراض أمنية، إلى حدود سياسية فعلية بين الجانبين، بما يذكر بجدار برلين.
في الوقت ذاته، فإن المناقشات الإسرائيلية المطولة حول التوترات الأمنية الأخيرة خلال الأسبوعين الماضيين، شهدت إثارة متجددة لموضوع الجدار، أو بالأحرى عدم وجوده، بسبب تزايد ثغراته المنتشرة في كل أنحائه، مما دفع بضباط الأمن للاعتراف بأن "ما كان لا يمكن أن يستمر"، ويقصدون بذلك أن ما شهدته السنوات الأخيرة من خروقات في الجدار، ووجدت ترجمتها في الهجمات الأخيرة، من الصعب أن تبقى على حالها.
صحيح أن سلطات الاحتلال تدفع نحو زيادة أعداد العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية للعمل داخل المدن المحتلة 48، وفقا لسياسة إسرائيلية مدروسة تهدف لما يتوهمه الاحتلال عزلا لهم عن مسار المقاومة، وتحقيقا لشعار "السلام الاقتصادي"، رغم أن ذلك يحمل مخاطر من بينها تدفق العمال غير القانونيين عبر "فتحات" الجدار، وقد تمثل هذا الخطر مؤخرا في تنفيذ الهجمات الأخيرة في داخل فلسطين المحتلة.
اليوم تتزايد الدعوات الإسرائيلية لإعادة النظر في مسار الجدار تحسباً لوقوع هجمات فدائية أخرى، وقد قدمت المناقشات الأخيرة عددا من البدائل، بينها ترميم السياج الحديدي، أو بناء جدار إسمنتي، كما في غلاف القدس المحتلة، أو الجدار الخرساني.
مع أنه عندما بدأ التخطيط الإسرائيلي الأولي للجدار الفاصل خلال انتفاضة الأقصى، بدا قلق شارون في حينه أن بناءه سيعمل على إيجاد حدود فعلية بين دولة الاحتلال وفلسطين المستقبلية، لذلك تم اتخاذ قرار بتسمية المشروع بـ"سياج أمني" وليس "جدارا فاصلا"، بزعم أن الهدف منه تحديد معنى أمني وظيفي، وليس وضع مسمار سياسي.
صحيح أن هناك العديد من الذرائع التي أطلقها الاحتلال تسويغاً لبناء الجدار، لكن تفنيدها لا يحتاج لكثير من الجهد، لاسيما على صعيد بناء العشرات من البوابات الأمنية التي تسبب احتكاكات ميدانية دائمة بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال، وفي الوقت ذاته، يتحدث الإسرائيليون عما يصفونها "النتائج الكارثية" لبواباته القائمة.
الخلاصة في مشروع الجدار أنه أتى ردا من الاحتلال على عمليات المقاومة، في ظل محاولاتها المستمرة للوصول إليه، ورغم مكوناته الكبيرة، فإن الإسرائيليين مقتنعون أنه لا يوجد "ختم" بنسبة 100٪ على أي شيء، وليس هناك مستحيل أمام الفلسطينيين لتنفيذ هجماتهم المسلحة رغم هذا الجدار المحكم.