أمام الفشل الإسرائيلي الذي لا تخطئه العين في مواجهة الهجمات الفدائية الأخيرة، ازدادت الدعوات لتنفيذ نسخة مجددة من عملية "السور الواقي" التي نفذها الاحتلال في الضفة الغربية، عقب إخفاقه في وقف الهجمات الاستشهادية.
مع أن الظروف الحالية في 2022 ليست هي ذاتها في 2002، فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر، واختلفت أوضاع سياسية وميدانية لدى المقاومة والاحتلال، ما يضع علامات استفهام عديدة حول مدى وجاهة هذه الدعوات، أم أنها تأتي في إطار حالة "الصراخ المؤقت" فقط تحت ضراوة العمليات الأخيرة.
ليس سرًّا أن الاحتلال دأب خلال الشهور والسنوات الماضية، وفي إطار تعامله مع تمدد المقاومة، على تنفيذ عمليات عسكرية لمحاولة القضاء عليها، وإيقاف مدها المتواصل، ذات أبعاد موضعية، وليس توسعية.
صحيح أن العمليات العسكرية التي أقدم عليها جيش الاحتلال خلال الفترة الماضية، جاءت لأهداف أمنية محضة، مستهدفة إخماد روح المقاومة، وتعزيز مستوى الأمن الشخصي لدى المستوطنين؛ لكن ما ميز ما قام به الجيش أن المسوغات والاعتبارات السياسية هي التي أمْلَت عليه طبيعة الحملات العسكرية والإجراءات الأمنية، حيث أقدم بتعليمات واضحة من المستوى السياسي على القيام بخطوات هامة، بعضها غير مسبوق، لكن الجيش الذي حاول التقليل من تأثير هجمات المقاومة، خرج بعدة دروس من عملياته التي كان ينفذها بين حين وآخر.
اليوم، ربما يظن الجيش أن بإمكانه السيطرة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، بما فيها تلك المصنفة بأنها مناطق "أ"، لكنه سيكون اجتياحا أو سيطرة بدون هدف حقيقي ممكن، رغم أن الهدف المعلن هو القضاء على البنية التحتية للمقاومة، غير أن استمرار هجماتها الناجحة يثبت أن هذا الهدف مجرد وهم، بدليل أن قيادة المقاومة وجدت ضالتها في مهاجمة أهداف في عمق دولة الاحتلال، ليس في الضفة الغربية فقط.
في ذات السياق، فإن أي حديث عن إعادة سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية، أو مناطق واسعة فيها، لن ينتج عنها سوى استمرار المقاومة بأشكال أخرى، لاسيما العمليات الناجحة، بل إن قراءة لمستواها ونوعيتها ارتباطاً بالهجمات الإسرائيلية تشير أن هناك تناسبا طرديا بينهما، لتستهدف نقاط الضعف لدى الجيش والمستوطنين.
اليوم، وبعد عشرين عاما على عملية السور الواقي، التي تخللتها حرب المدن والمخيمات، يمكن القول أن الشعار الذي ساد بين الإسرائيليين "دعوا الجيش ينتصر"، ثبت أنه هُزم في عدة جولات مهمة، ويمكن القول إن العمليات الأخيرة للمقاومة أفشلت توقعاته، لأنها تحولت مقاومة مسلحة، وأعادت لتجربة العمل الفدائي مفاهيمها وعناصرها؛ وهو ما لم يخطر ببال الجيش وقيادته، وأدخلت مجتمع الاحتلال في حالة من "النزيف المعنوي" لم تحدث من قبل، رغم كل أشكال الاستنفار الأمني وعشرات الآلاف من العساكر الذين جُندوا للتصدي للمقاومين.