فلسطين أون لاين

الحاجز النفسي الإسرائيلي من جنين ما زال قائمًا!

ما زالت الماكنة الدعائية الإسرائيلية تواصل تحريضها ضد جنين ومخيمها، بزعم أنها خرجت من بين ظهرانيها عدد من منفذي الهجمات الفدائية الأخيرة، وباتت بيئة خصبة لما يسميه الاحتلال "أعشاش الدبابير"، مما جعل من اقتحامها، أو تنفيذ عملية فيها، مسألة مشروعة للعمل من منظور الرأي العام الإسرائيلي.

هذه الأصوات الإسرائيلية تبدو شعبوية بحتة، وليست لها صلة بالواقع، في ظل عدم وجود معلومات استخبارية مركزة، وبالتالي فلن يؤتي هذا النشاط الاحتلالي سوى القليل من الثمار المرجوة، بل قد يؤدي لردود فعل فلسطينية جماعية، تتجاوز جغرافية المدينة وعمقها السكاني.

كما أن تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد المدينة تبدو بنظر كثير من الإسرائيليين أمرا بعيد المنال، بما في ذلك عملية مكررة من السور الواقي، تشمل مدن الضفة الغربية، لأنها غير قابلة للتطبيق في الوقت الحالي، لأسباب تتعلق بالشرعية الدولية، بجانب التكلفة والعائد، مما يرجح تكثيف الضغط العسكري للاحتلال على جنين، بزعم تنفيذ سلسلة من الضربات الجراحية، وفق التعبير الإسرائيلي.

في الوقت الذي تزداد فيه الدعوات الإسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية ما في جنين، فإنهم يدركون في الوقت ذاته، أن المدينة والمخيم فيهما مقامون مدربون جيدا، ويستطيعون إيقاع خسائر فادحة في الاحتلال، ووصلت قوة المقاومة فيها إلى حد إخفاق قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية فرض السيطرة عليها منذ فترة طويلة، وباتت اليوم تعيش وضعاً مثالياً من اصطفاف قوى المقاومة حول بعضها، في مشهد لم يتكرر منذ فترة طويلة بالضفة الغربية، وتنعم به غزة منذ سنوات. 

كما أن ما تتمتع به المقاومة في جنين ومخيمها من دعم كبير من حاضنتها الشعبية يجعلها تحظى باهتمام الرأي العام الفلسطيني المحلي والدولي، الذي باتت وسائل إعلامه تتداول اسم المدينة ومخيمها في مختلف تقاريرها الميدانية من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يجعل أي قرار إسرائيلي أرعن، مدفوعا بالمزاج العصبي والغضب من آثار عمليات المقاومة الأخيرة، مسبباً لحالة من احتمالات إشعال الوضع كله في الأراضي المحتلة عموما، والضفة الغربية بأكملها خصوصا. 

هذا يعني أن مدينة جنين ومخيمها تعتبر اليوم الأكثر تحديًا في مدن الضفة الغربية أمام جيش الاحتلال، لأن الذاكرة الجمعية للإسرائيليين تعيدهم قرابة عشرين عاما للوراء، حين بدأت معارك السور الواقي، وشكل مخيم جنين معقلًا عنيدًا للقتال، وسقط فيه للاحتلال أكبر عدد من الخسائر والقتلى، ولفترة طويلة عانى جنوده من كابوس اسمه "جنين"، مما يجعل من إحجام صانعي القرار الإسرائيلي عن تنفيذ عمليات برية في مخيمات اللاجئين ومراكز المدن، نابعا من الحاجز النفسي الذي لم يتحطم بعد.