ما زال الإسرائيليون يعيشون الترددات المتلاحقة للهزة الأرضية التي ضربت جبهتهم الداخلية بسبب الهجمات الفدائية الأخيرة، وسط اعتراف لا تخطئه العين يصدر عنهم بأن المنظمات الفلسطينية باتت أكثر نجاحًا في التصدي لإجراءات أمن الاحتلال، رغم ما تشمله من اعتقالات مكثفة واجتياحات متكررة وضغط على عائلات منفذي العمليات.
تتحدث المحافل الأمنية الإسرائيلية أن الموجة الحالية من العمليات تُجرى في قناتين: أولاهما تنفذها قوى المقاومة، وعادة من قبل خلايا منظمة مسبقاً، يمكن تسميتها بـ"الخلايا النائمة"، وثانيتهما تتم بإلهام وتقليد لمنفذين سابقين، ممن يتصرفون عادة بقرار شخصي ذاتي، دون تنظيم حقيقي، وباستخدام أسلحة تم الحصول عليها بشكل خاص، أو بمساعدة العائلة والأصدقاء، وهذا هو التغيير الملحوظ الذي يجعل أي هجوم مميت فعلا، كما حصل في العملية الأخيرة بشارع ديزنغوف وسط تل أبيب.
سلسلة التحقيقات الأمنية التي يجريها المحققون الإسرائيليون في الأيام الأخيرة تتحدث أن المنفذين الذين يخرجون لتنفيذ الهجمات المسلحة بمبادرة منهم، حتى في لحظة قرارهم، تعلموا بالفعل توخي الحذر، ومعظمهم لا يعلن مقدمًا، أو يلمح على وسائل التواصل الاجتماعي عن نيتهم في الإضرار بالأمن الإسرائيلي في بعض الأحيان، من خلال إعداد منشورات أو مقاطع فيديو، تكون بمنزلة وصية يتم نشرها بعد الهجوم.
هذه الاستنتاجات تضع المزيد من الصعوبات على أجهزة أمن الاحتلال والجيش، التي تراقب شبكات التواصل بأدوات تكنولوجية مختلفة من أجل تحديد النوايا التحريضية للعمليات، ومن ينوي تنفيذها، وفي هذه الحالة، وعندما لا تكون هناك أدلة ملموسة، يصبح من الصعب تحديد مكانهم، أو وضع اليد عليهم قبيل خروجهم للتنفيذ.
في الوقت ذاته، تواجه دولة الاحتلال صعوبة جدية في التصدي للعمليات التي يكون مصدرها الإلهام والتحريض والتقليد والانتقام، بدعوى أنها لم تجد لها حلاً استخباراتياً بعد، وبالتالي يصعب إفشالها، حتى لو لجأت أجهزتها الأمنية لما يسمى "الردع"، الذي تبدد في السنوات الأخيرة، رغم إغراق الأراضي الفلسطينية بقوات الاحتلال بأعداد كبيرة جدًا، سواء بصورة مرئية علنية، أو سرية خفية، لكن مثل هذه الإجراءات قد تجعل من الممكن على الأقل تحديد المخاطر المحتملة.
لا تتردد المحافل الأمنية الإسرائيلية في الاعتراف بأنه عندما يتعلق الأمر بتقليد وإلهام منفذين سابقين للعمليات، فإن الأمر منوط بما لدى الشباب الفلسطينيين من شحنات غضب على إجراءات الاحتلال القمعية، ما يشكل دافعا لهم للانضمام إلى موجة الهجمات الفدائية، ورغبتهم بأن يصبحوا شهداء، وكل ذلك يعني أن المطاردة الموصوفة بـ"الساخنة" لقوات الاحتلال من خلال استخدام الوسائل التكنولوجية وأساليب العمل السرية لا تعرض للخطر سوى أمن الإسرائيليين المحتلين، هم فقط، وليس سواهم.