شكلت الهجمات الفلسطينية الأربعة الأخيرة، التي تم تتويجها بعملية (تل أبيب) في الساعات الأخيرة، نموذجا لعله الأوضح لتركيز المقاومة على الجبهة الداخلية للاحتلال، باعتبارها قلعة محصنة لحماية الإسرائيليين، وأوجدت بينهم شعورا ملؤه اليأس والإحباط، وعكست شدتها مدى الخوف الذي يحيونه، وأصبح المقاوم الفلسطيني ضيفا ثقيلا على حياتهم اليومية، وأضحى سبباً في شيوع حالة من القلق والتوتر بينهم.
وقد سرت تحذيرات إسرائيلية متلاحقة في الأيام والأسابيع الأخيرة من نجاح المقاومة في تحقيق النظرية المعروفة "بيت العنكبوت"، التي تعني أن (إسرائيل) دولة عسكرية، لكن مجتمعها المدني ثري ومدلل، وغير مستعد للكفاح، ولديها جيش قوي ذو تفوق تكنولوجي وقدرات إستراتيجية، لكن سكانها غير مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل الدفاع عن أهدافهم، ولذلك فإنها مثل بيت العنكبوت يبدو قويا من الخارج، ولكن حين تلمسه تجده متفككاً.
أكدت الهجمات الأخيرة أن المقاومة استخدمت أساليب جديدة ومتطورة، لا سيما تلك التي لا تحتاج إلى كثير عناء وتخطيط، مقارنة بأشكال العمل الأخرى التي تتطلب الدقة والتخطيط السليمين لضمان نجاح التنفيذ، ولذلك رأينا أنها تنوعت بمختلف الأشكال، فأخذت شكل إطلاق النار حيناً، والطعن بالسكين حيناً آخر، والدعس بالسيارة حيناً ثالثاً.
جديد هذا اللون من العمليات أنه يقدر عليه جميع الشبان الفلسطينيين، ولا يقتصر فقط على ذوي الانتماء الحزبي والتأطير التنظيمي والعاملين في كتائب المقاومة الذين تسعفهم وتمكنهم حدود قدراتهم وإمكانياتهم على تخطيطها وتنفيذها، بل يجري الأمر على أي فلسطيني يريد التصدي للاحتلال، فيندفع حائزاً السلاح بداية، لينقض على أي هدف إسرائيلي، بأقل قدر من التعقيدات الإجرائية والتنظيمية التي تفرض نفسها في سلك العمل المقاوم المنظم.
كما أن هذا اللون من العمل المقاوم لا غنى للمقاومة عنه، رغم بساطته، وقلة التعقيدات الكامنة فيه، لأنه يكرس أحد أشكال العمل المقاوم التقليدية، وفي ذات الوقت يحقق مستوى واسعا من الانفتاح الشعبي على الانخراط في المقاومة عبر تبني هذا الأسلوب الذي يقترب من إمكانات وقدرات الجماهير.
أكثر من ذلك، يمكن القول إن المقاومين بدأوا تكتيكا جديدا يعتبر "المسدس" أفضل من "القنبلة"، وهي خطوة قد تؤدي لتسهيل العمليات ضد الاحتلال، والحصول على قدر أكبر من التبرير السياسي، حيث يختارون أماكن وسط المدن الإسرائيلية بالقنابل والأحزمة الناسفة، لكن الفارق الوحيد هو الأسلوب.
هنا قد يكمن السر الحقيقي لقلق الاحتلال من هذه الهجمات، المتمثل في نوعية الأهداف التي اختارتها، مما يشير لقدرة تستحق الثناء، فكل العمليات احتاجت لرصد وإعداد، ومنطقة داعمة "تمكن السمك من الغوص في مياهه"، مما منحها الاحترام والتقدير والإعجاب في الشارع الفلسطيني، والتوتر والغضب لدى الاحتلال ومستوطنيه!