فيما يواصل جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية إدارة الأوضاع الميدانية أمام الفلسطينيين، مع الخشية من مزيد من تدهورها، هناك زاوية أخرى لم تأخذ حقها في التناول الإعلامي اليومي، المنشغل بملاحقة التطورات اللحظية في الأراضي الفلسطينية، ويتعلق بطبيعة التأثير القائم للعمليات الفدائية الأخيرة على المشهد السياسي والحزبي في دولة الاحتلال.
حملت الهجمات الأخيرة جملة تأثيرات على المشهد الإسرائيلي لدى المستويين، السياسي والحزبي، وتركزت في توجيه الأسئلة عن حقيقة الهدف الذي يريد الاحتلال تحقيقه، وكيف عليها أن تحققه، رغم أنه يتطلب نظرة إضافية، في ضوء القناعات السائدة داخل الحلبة السياسية والحزبية بأن هذه المهام خاصة بالمستويين الأمني والعسكري، وليس السياسي، رغم الاتهامات الموجهة للأخير بأنه "يكبل" أيدي الجيش، وكأننا عدنا للسيمفونية المشروخة القائلة "دعوا الجيش ينتصر".
ولكن نظرا لأن الهدف الذي وضعه المستوى السياسي الإسرائيلي لنفسه يعتبر عاما فضفاضا، ويتمثل بوقف الهجمات الفلسطينية، دون تحديد كيفية ذلك، فإنه بالنسبة لباقي المستويات العملياتية قد يكون غير واضح بما فيه الكفاية، وهذا يعني ضمنيًّا فرضية عدم القدرة، وربما المس بصورة كبيرة، في قدرة الفعل العسكري على تحقيق جدواه وفعاليته.
في هذه الحالة، يعود الإسرائيليون مجددا للسؤال المعضلة الذي يطرح عشية بدء أي عدوان على الفلسطينيين، سواء في الضفة أو غزة، حيث تظهر الانتقادات الداخلية حول عدم تحديد أكثر دقة وتفصيلا لبعض الأهداف، بصورة أكثر وضوحا، كي يسهل تنفيذها، وبالتالي يدخل الجيش والأمن في حالة من ملاحقة الأحداث اليومية، دون وجود استراتيجية بعيدة المدى.
صحيح أن سلوك الاحتلال بدأ بتحديد هدف عام وكبير، يتمثل بإحداث واقع أمني جديد، يتجاوز العمليات الفدائية، والرغبة بأن يكون الواقع الأمني أكثر تحسنا، رغم أن تعبيرا كهذا لا يصلح ليشكل هدفا قابلا للتنفيذ، مما استدعى إجراء نقاش ساخن في الأروقة الإسرائيلية، بفرضية أنه لا يوجد حتى الآن تحديد أهداف أكثر دقة لهذه المواجهة الدائرة، وتتصاعد تدريجيا، ولا أحد من الإسرائيليين والفلسطينيين يعرف أين وكيف ستنتهي، رغم أن أهدافهما متعارضة بالضرورة.
مع أن التوجه الإسرائيلي السائد يحاول استباق أي تصعيد متوقع في الفترة القادمة، بتغيير بعض أهداف السياسة الميدانية الجاري تنفيذها، حسب تطورها على أرض الواقع، ويتعزز هذا الرأي أكثر فأكثر، إذا علمنا أن نتائج التوغلات والاقتحامات الحاصلة في الضفة الغربية، لا يبدو متوقعا، وغير متجانس مع ما أسمته أوساط عسكرية إسرائيلية "نجاحات تكتيكية" أنجزت في الميدان، دون أن تمتلك بوليصة تأمين تضمن لها طي صفحة العمليات الفلسطينية، وكل المعطيات تتحدث أننا ما زلنا في ذروتها!