فلسطين أون لاين

دعاية الاحتلال تصب مزيدًا من الزيت على نار التصعيد

انتهج الإعلام الإسرائيلي خلال موجة العمليات الفدائية الأخيرة، مبادئ أساسية في سرده، وتغطيته لأحداثها، وهي اللمسة الإنسانية عند ذكر الإسرائيليين الذين سقطوا قتلى فيها، بما يضفي الطابع الشخصي عليهم، وطرح أسئلة بلاغية، إلى الدرجة التي يواجه فيها حتى المؤيدون للفلسطينيين صعوبة في الإجابة عن بعضها. 

انتهج المتحدثون الإعلاميون الإسرائيليون خلال موجة الهجمات طرح المزيد مما يعتبرونه "فروقا قيمية" بالزعم بوجود فرق ثقافي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكي يجد الغربيون أنفسهم قريبين منهم، نظرا لاشتراكهم في الثقافة نفسها معهم، والتقاليد والقيم.

سلم الاحتلال منذ اليوم الأول لبدء الهجمات بأن التغطية الإعلامية من أهم التحديات التي سيواجهها، بتشكيل لجان دعائية لتبرير الحملة القمعية ضد الفلسطينيين، أعدت سلفاً المواد الإعلامية التوضيحية والمقابلات والرسائل.

وبات الموضوع الإعلامي يتوحد مع عملية اتخاذ القرارات في العملية الأمنية المذكورة، صحيح أن هذه اللجان لا تحل محل الناطقين باسم الخارجية، أو الجيش، أو المؤسسات الحكومية الأخرى، بل تساعدهم، وتنسق بينهم ليتحدثوا بخطٍّ واحد.

هناك عدة خطوات انتهجتها آلة الدعاية الإسرائيلية اعتمدت عليها في مواجهة موجة الهجمات الأخيرة، ومنها ترسيخ "الصور النمطية" كي تستقر في أذهان الإسرائيليين، بادعاء التأكيد على "إنسانية" الإسرائيليين و"معاناة اليهود" بسبب هذه الهجمات، كأنها هي المشكلة، دون التركيز على استفزاز المقدسيين في اقتحامات المسجد الأقصى، وإجلاء أهالي الأحياء المقدسية، وحملات التهويد والأسرلة بحق فلسطينيي الـ48، بجانب معاناة الفلسطينيين من حصار غزة.

ظهر هذا في محاولة وسائل الإعلام الإسرائيلية إعطاء معالجة مطولة بالصور للإسرائيليين الخائفين من عمليات المقاومة، وتأثيرها فيهم، أما معاناة الفلسطينيين، فيتم التقليل من قدرها لتصبح مجرد أرقام يتم تبريرها باعتبارها "أضرارا جانبية".

لعبت الدعاية الإسرائيلية على ما يعرف بـ"سلوك الخصم"؛ فاستغلت الهجمات المسلحة لتبرير شن المزيد من الحملات الأمنية ضد الفلسطينيين، بما شملته من اعتقالات واستدعاءات واغتيالات، وهي تعلم أنها ستحظى بتعاطف المنظومة الغربية المنافقة، التي تحيي المقاومة الأوكرانية بوصفها "بطلة ومشروعة"، وفي الوقت ذاته تدين نظيرتها الفلسطينية بوصفها "إرهابية مرفوضة".

في الوقت ذاته، حرصت ماكينة الدعاية الإسرائيلية على الظهور في كل مكان، وقول نفس الشيء، والتأكد من بقاء الفلسطينيين مختفين قدر الإمكان، وتوفير العديد من الناطقين المتقنين للإنجليزية للحديث أمام جميع وسائل الإعلام، ولعل جديد العمليات الأخيرة ما صدر عن بعض عواصم المنطقة من إدانات لافتة لهجمات المقاومة.

الخلاصة الإسرائيلية أن الهجمات الفلسطينية الجارية شكَّلت مادة غنية للتشويه في الدعاية الإسرائيلية، فعملت على إعادة تشكيل الأحداث من خلال طاقم صحافي إعلامي يدرك تماما فن التلاعب بالعقول والمشاعر، بهدف تصوير القمع الإسرائيلي على أنه رد طبيعي ومنطقي على هجمات الفلسطينيين.